الحكم الفاسد وآثاره على المجتمع – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ)
إن الحكم العادل يُعتبر من أهم ركائز الاستقرار والنماء في أي مجتمع. ولكن حينما يتولى الحكم أشخاص بطرق غير شرعية، فإنهم يفسدون في الأرض ويتسببون في انهيار القيم والمبادئ التي يعتمد عليها المجتمع.
معنى الآية الكريمة
هذه الآية قصدت بالتولي الحكم، فالقرآن الكريم يشير إلى أن الذي يصل إلى الحكم بغير الطرق الشرعية هو مفسد في الأرض، فوصوله بحد ذاته بشكل غير شرعي هو إفساد في الأرض وكذلك لن يكون ولو حرص على الإصلاح إلا فاسدًا في الأرض.
كيفية وصول الحاكم للحكم:
-
قولين:
-
إما بالنص.
-
إما بالشورى (الانتخابات).
-
إما بالتغلب على الحكم ولو بالسيف.
-
أما الإمامية، طبقًا للنصوص المستفيضة في روايات العامة والخاصة، حصروا طريق الوصول الشرعي للحكم في النص النبوي والقرآني.
فالله سبحانه لم يترك الجسد بلا إمام وهو العقل، وجعل القوامة للرجل لأنه إمام أسرته، فهل يعقل أن الله تعالى ونبيه الأكرم صلى الله عليه وآله يتركا الأمة بدون خليفة وإمام يقود زمام أمورها؟
إفساد الحكم الفاسد:
-
في قوله تعالى: (أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ):
-
إشارة إلى أن الله تعالى أصلح الأرض من كافة جوانبها.
-
النظام الفاسد يأتي ليفسد كل شيء:
-
أصلح الأنساب بالعقود الشرعية.
-
أصلح الأموال بالنواقل الشرعية.
-
أصلح العقول بالتجارب السابقة.
-
أصلح الدنيا بالأديان.
-
-
النظام الفاسد يفسد الأنساب بإباحة الزنا، ويفسد الأموال بنشر الرشوة والسرقة والفساد المالي وإباحة الربا، ويفسد العقول بتحليل شرب المسكرات، ويفسد الدين بإثارة الشبهات.
تقطيع الأرحام علامة الحكم الفاسد:
-
في قوله: (وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ):
-
إشارة إلى أن الحاكم الفاسد في سبيل الحفاظ على كرسي الحكم لا يتورع عن قتل حتى أقربائه.
-
قصة عن هارون العباسي مع الإمام الكاظم:
-
سأله ابنه المأمون عن الإمام عليه السلام وعن سبب توقير هارون له، فقال له: “أنا إمام الجماعة في الظاهر بالغلبة والقهر، وموسى بن جعفر إمام الحق، والله يا بني: إنه لأحق بمقام رسول الله صلّى الله عليه وآله مني ومن الخلق جميعًا، ووالله لو نازعتني أنت هذا الأمر لأخذت الذي فيه عينيك فإن المُلك عقيم”.
-
-
وأحد أبرز صور تقطيع الأرحام هو ما فعله بنو أمية بعترة رسول الله صلى الله عليه وآله، وبالأخص ما فعلوه برحم رسول الله وروحه وريحانته الإمام الحسين عليه السلام، حيث استولوا على الحكم بالقهر والغلبة وفسدوا وأفسدوا في الأرض، ثم قطعوا رحم رسول الله صلى الله عليه وآله.
الخاتمة
في الختام، نجد أن الحكم الفاسد لا يقتصر فقط على إفساد الأمور الدنيوية بل يمتد لتدمير الأواصر الأسرية والعلاقات الاجتماعية. الدرس المستفاد من الآية الكريمة هو أن الحكم يجب أن يكون مبنيًا على الشرعية والعدل، وأن الفساد لا يجلب سوى الدمار والتفرقة. علينا أن نسعى دائمًا للعدالة والشرعية في جميع مناحي الحياة، لتجنب الوقوع في دوامات الفساد والطغيان.