قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: المنبر العميد
آخر برامج من: الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

حرمات الله – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله

يقول الله تعالى: (ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ ۗ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) “سورة الحج: 30”

تعظيم حرمات الله ليس فقط عبادة قلبية، بل هو أساس متين لبناء شخصية المؤمن وميزانٌ لتقوى القلوب. فما هي حرمات الله؟ وكيف نُعظمها؟ ولماذا يُعد تعظيمها خيرًا للعبد في دنياه وآخرته؟ هذا ما سنناقشه في هذا المقال بإطارٍ تحليلي وشرعي.

ما المقصود بحرمات الله؟

الرأي الأول: الحرمات الخمس

ذهب بعض المفسرين إلى أن “حرمات الله” تشير إلى: حرمة البيت الحرام، حرمة المسجد الحرام، حرمة البلد الحرام (مكة)، حرمة الحِمَى الحرام، حرمة الأشهر الحرم.

وهذه الأماكن والأوقات المباركة لها خصوصية في الشريعة الإسلامية، ويجب على المؤمن تعظيمها كما يعظم الناس الرموز الوطنية أو مؤسسات الدولة. فكيف بمن يدخل في حضرة الله وفي حرمه الآمن؟ الاحترام هنا يعني الالتزام الكامل بالأوامر الإلهية والآداب الشرعية عند دخول مكة أو أداء المناسك.

الرأي الثاني: حرمات الله  هي كل ما أمر به ونهى عنه

الرأي الأوسع يرى أن “حرمات الله” تشمل جميع أوامره ونواهيه، سواء ما تعلق بالشعائر أو بالمعاملات، بالصلاة أو الصدق، بالعقيدة أو الأخلاق. فكل من يتجاوز حدود الله، فإنه يهتك حرمة من حرماته، والعكس بالعكس.

تعظيم الحرمات… عبادة لا ينالها إلا العابدون

تعظيم الحرمات نابع من خشية الله والتذلل له، ولا يصل إليه إلا من امتلأ قلبه بمحبة الله وهيبته. فكما أن الإنسان يحترم القوانين الأرضية بدافع الانضباط أو الخوف، فإن تعظيم حرمات الله يجب أن يكون نابعًا من القلب، وإيمانًا بعظمة الله وعلمه وحكمته.

وقد ضرب الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري مثالًا راقيًا في التوكل على الله، حيث كانت علاقته بالله مبنية على اليقين والتسليم، مما جعله لا يلتفت إلى المظاهر الدنيوية بل يعيش لله وحده.

حكمة الله في الخلق.. حتى في ما لا ندركه

ليس كل ما لا نعلم حكمته يكون عبثًا، وهذا ما أكده العلماء من خلال آلاف الأمثلة في الطبيعة.

فمثلًا، عندما تذمّر الحجاج الثقفي من خنفساء كانت تزعجه أثناء صلاته، لم يدرك أن لهذه الحشرة دورًا في البيئة لا يعلمه. واليوم، يدرك علماء البيئة أن أي خلل في النظام البيئي يمكن أن يُحدث كارثة صحية أو بيئية، كما حصل في الصين عندما أُبيدت حشرات معينة فانتشرت الأمراض.

وهكذا، فإن كل ما خلقه الله تعالى له حكمة، وإن عقول البشر مهما عظمت فهي قاصرة عن الإحاطة بحكمة الخالق في كل شيء.

من مظاهر تعظيم حرمات الله

  1. الالتزام بالشعائر وعدم الاستهزاء بها أو التساهل في أدائها.
  2. احترام الأماكن المقدسة والحرص على آدابها.
  3. توقير أوامر الله ونواهيه وعدم الاعتراض عليها، وإن لم نفهم الحكمة منها.
  4. الابتعاد عن المحرمات الظاهرة والباطنة كالكذب، وقول الزور، والغيبة، والنظر المحرم.
  5. استحضار مراقبة الله في السر والعلن.

لماذا يُعتبر تعظيم الحرمات خيرًا عند الله؟

لأن تعظيم الحرمات: يُظهر صدق الإيمان وخشية القلب، يُعزز الانضباط الداخلي لدى المسلم، يساهم في بناء مجتمع متماسك يراقب الله في تصرفاته، يُقرب العبد من رحمة الله ويُبعده عن سخطه.

خاتمة

إن تعظيم حرمات الله ليس مجرّد حالة وجدانية أو انفعال لحظي، بل هو سلوك مستمر يُبنى على الإيمان، ويُترجم في الحياة اليومية للمؤمن. وحين يدرك الإنسان ضعفه وجهله أمام عظمة الخالق، يُسلّم لله أمره ويعظّم كل ما عظّمه الله، وبذلك ينال الخير عند ربه، في دنياه وأخراه.

مواضيع مشابهة

ليتفقهوا في الدين- آيات الأحكام- 179- تعظيم شعائر الله

كيف أقضي على النظرة المحرمة؟..