مكانة الرجل والمرأة في الإسلام – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
إن القضية التي عالجها هذا المقطع من الآية الكريمة قضية إنسانية بدأت منذ وجود الإنسان، فكان النزاع قائما ولا يزال إلى يومنا هذا بين الرجل والمرأة حول موقع كل منهما في المجتمع ووظائفه وحقوقه، وكل يحاول جذب الحبل إلى جهته.
وفي الغالب نرى أن الرجل بحكم ما يتمتع به من قوة استعلى على المرأة وأخذ حقه بيده كما يقال، وظلم المرأة وهضم حقوقها ولم يوفها حقوقها المشروعة، ولذلك لطالما كانت المرأة مظلومة مهضومة الحقوق على مر التاريخ في مختلف الحضارات باختلاف مشاربها وتوجهاتها، فالجميع كان يختلف في كثير من الأمور لكنك تجد الحضارات متفقة بشكل كبير على هذه النقطة وهي ظلم المرأة وعدم إنصافها إلا ما شذ وندر.
وترى الحضارات على مر التاريخ في الشرق والغرب فضلت الرجل على المرأة وجعلت المرأة سلعة تباع وتشترى ولا حق لها في إبداء الرأي في أي من الأمور حتى أمر زواجها، ولم يكن لها حق التملك فضلا عن المشاركة السياسية أو الاجتماعية والاقتصادية.
والحقيقة إن جميع هذه الحضارات ناشئة من نظريات وضعية وضعها الإنسان، وبحكم الطبيعة الذكورية لأغلب المجتمعات والحضارات وبحكم غلبة منطق القوة على المجتمع فإن الرجل كان دوما الرابح الأكبر وكانت المرأة الحلقة الأضعف في المجتمع بحكم تكوينها الجسدي والنفسي.
ولو أن أي شخص أتى بنظريته لشككت بنواياه لأنه لا يعدو عن كونه إما ذكرا أو أنثى، فإن كان ذكرا اتهمته بالتحيز للرجل، وإن كانت أنثى اتهمتها بالتحيز للمرأة والنساء، أما القرآن الكريم الذي هو كتاب الله الذي أنزله على عبده ليس كتابا وضعه بشر حتى يتهم بمثل ذلك، فلا يمكن اتهام ما يقوله القرآن بالذكورية وما شابه ذلك، إلا أن تتهم المفسر للقرآن بتفسير القرآن بهوى ذكوري فهذا جائز، وإلا فإن القرآن جاء للرجال والنساء على حد سواء ولا يفضل جنسا على آخر.
وقد راعى الإسلام العدل في تنظيمه للعلاقة بين الرجل والمرأة ووظيفتهما في الحياة وحقوقهما وواجباتهما، وليست المساواة هي العدل كما يشتبه على كثيرين، فالمساواة لا تكون عدلا في كثير من الأحيان وتنافي العدل أحيانا، فمثلا من المساواة أن تكافئ عاملا لا يتعب نفسه في العمل ونظيره الذي يتعب نفسه ويكافح وينتج أكثر بنفس القدر، لكنه ينافي العدل حتما، فمن العدل أن تكافئ من يتعب نفسه وينتج أكثر بقدر أكبر من ذلك الذي لا يحاول ولا ينتج كثيرا.
وهكذا كان الإسلام في نظرته للرجل والمرأة، فقد راعى الإسلام العدل في ذلك لا المساواة كما تحاول الحضارة الغربية اليوم تطبيقه وقد فشلت، ومن الصعوبة بمكان تطبيق المساواة التي ينشدونها نظرا للاختلافات الواضحة بين الجنسين والتي لا يريدون الاعتراف بها رغم وضوحها وجلائها وعدم خفائها على أحد، لكنهم يريدون طمس الحقيقة والواقع لأجل أهداف دنيئة ومشبوهة.
إن الإسلام راعى الفوارق الأحيائية والنفسية والجسدية بين الرجل والمرأة في تنظيمه لشؤونهما ودورهما في الحياة، فضلا عن نظره إلى الاختلافات الوظيفية والشرعية بينهما، فلم يكلف المرأة بكثير مما كلف به الرجل كما لم يكلف المرأة بكثير مما كلف به الرجل.
فقد كلف الإسلام الرجل بالمهام الصعبة والتي تحتاج إلى جهد جسدي وعقلي كالجهاد والكد على العيال والنفقة عليهم وإدارة شؤون الأسرة ودفع الكثير من المستحقات التي لم يكلف بها المرأة، وفي المقابل كلف المرأة بمجموعة من الأمور لم يكلف بها الرجل كبقائها في بيت زوجها وطاعتها له في بعض الأمور المهمة وأمرها بالستر والعفاف حماية وصونا وحفظا لها.
فالإسلام لم يكلف المرأة بالجهاد مثلا لأنه يتنافى مع طبيعة المرأة الحساسة والرقيقة وبنيتها الجسدية الضعيفة التي لا تجاري الرجل، وأسقط عنها النفقة والخروج للعمل والكد على العيال لنفس السبب إضافة لكيف يحميها ويحفظها من كل ما قد يشوب سترها وعفتها، ولكي تبقى مصونة عن الأجانب ونظراتهم المريبة.
لكنه في المقابل كلفها بتربية الأبناء والسهر على راحتهم ومدهم بغذاء الروح والبدن، إضافة إلى طاعة زوجها في بعض الأمور الأساسية كبقائها في المنزل وعدم خروجها إلا بإذنه، وتمكين زوجها منها وأن تكون مطيعة بشوشة الوجه تذهب عنه الغم والهم الذي يحمله كلما دخل إلى بيته محملا بأعباء وهموم العمل، فالأجواء خارج المنزل ملأى بالأخطار والصعوبات والمشاق التي يأتي الرجل محملا بها إلى المنزل ويتوقع رؤية وجه صبوح حسن يزيل عنه كل تلك الآلام والهموم.