رب العزة – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد لله رب العالمين)
إن العزة لله جميعا، والعزة تقابلها الذلة، ومن أسباب العزة الكمال والتكامل، ومن أسباب الذلة النقص.
إن الإنسان لا يمكنه أن يكون عزيزا ويصل إلى العزة المطلقة لأنه كائن محتاج ولديه حاجات بطبعه، والشخص المحتاج تذله حاجته، فلو كان جائعا ويطلب الرغيف فهذا نوع من الذلة، وإن لم يأكل يبقى يتولى من جوعه.
والإنسان بحاجة إلى ثوب يلبسه ويقيه حر الصيف وبرد الشتاء، كما يحتاج إلى المال ليتصرف بها ويصرفها على نفسه، ولو لم يملك المال لكان فقيرا مشردا متسكعا على أبواب الناس يستجدي عطفهم ويستدره، وكل هذا من ألوان الذل نقيض العز.
والإنسان بحاجة إلى العافية والأمان والاستقرار وأشياء لا تعد ولا تحصى هي كلها من نعم الله علينا التي لا نشعر بمعظمها علينا إلا عندما نفقدها، فلو أن شخصا يأكل أطيب الطعام وهو خائف لا يشعر بالأمن والأمان فلن يشعر بلذة الطعام ولن يلتذ به أبدا.
كما أن الإنسان الناقص بطبعه له نهاية وحدود وليس خالدا في هذه الحياة الدنيا، فلو امتلك الإنسان جميع أسباب العز والجبروت والسلطان فإن له نهاية طال الزمن أم قصر، فلو امتلك القصور والعربات والكنوز من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث لن تغنيه يوم القيامة وسيترك كل ذلك ويأوي إلى قبر ويذر عليه التراب.
وفي المقابل على الإنسان أن لا يتطرف في مسألة العز فلا يطلب العز والجاه بأكثر من المعقول، ومثالا على ذلك موقف الفرزدق الذي سجن في سجن خالد بن عبد الله القسري الذي كان من أشد النواصب ومن أشد المعادين أمير المؤمنين عليه السلام، لكنه عندما جاء الشاعر المعروف جرير الذي كان في خصام محموم معه ليشفع له عند الوالي للإفراج عنه لم يقبل شفاعته وأبت نفسه أن يقبل بذلك، فجسد بذلك معنى العزة والكرامة دون تطرف ولا زيادة ولا نقصان.
مواضيع مشابهة
دروس من سيرة الحسين (عليه السلام) منذ خروجه من المدينة إلى استشهاده