الاستتار والبروز – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
قال الله تعالى في كتابه العزيز:
(وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص).
تتحدث الآية الكريمة عن البروز، وهو انتقال من الاستتار إلى الظهور بحيث يصبح الشّيء تحت موضع الحس. بمعنى أوضح، هو الخروج من مكان مخفي لا يراه أحد إلى موضع مكشوف يتلمّسه الجميع.
البروز في سياق الآية الكريمة
هذا المعنى للبروز لا يمكن أن يُنسب إلى الله جل وعلا؛ فهو العليم الخبير، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء. يعلم السر وأخفى، فكيف يمكن أن تُخفى عليه أعمال خلقه؟
تفسير البروز من منظور المفسرين
- الاستتار عن الله وهمٌ باطل:
ذهب عدد من مفسري المسلمين إلى أن المقصود بالبروز في الآية هو حالة البشر الذين يظنون أن بإمكانهم إخفاء أعمالهم عن الله عز وجل. بعض الناس يعتقدون أن أعمالهم تبقى طيّ الكتمان، لتأتي هذه الآية لتُذكّرهم بالحقيقة المطلقة: “الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.”يُحكى أن رجلاً دخل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم شاكياً كثرة ذنوبه، فنصحه النبي قائلاً: “اعمل عملك في مكان لا يراك فيه ربك.” استغرب الرجل وسأل: “وأي مكان يخلو منه سبحانه؟” فأجابه النبي معاتباً: “كيف تعصي الله إذن وأنت تعلم أنه يراك؟”
- البروز من القبر:
يفسر بعض المفسرين البروز بأنه خروج الناس من قبورهم يوم القيامة. القبر يُعتبر سترًا لصاحبه، حيث يختبئ الجسد عن الأنظار ويُنسى مع مرور الزمن.لكن عند البعث، يخرج الإنسان من قبره، فيظهر للعيان بعد أن كان مستترًا. هذا الخروج يبيّن حال الإنسان يوم الحساب، حيث تنكشف الحقائق أمام الخالق.
أهمية القبور في حياة البشر
القبر له دور أساسي في حفظ الجثة من التحلل أمام العيون. لو لم تُدفن الأجساد، لتسبب ذلك في تلوث الأماكن وتغير الصورة الذهنية عن المتوفى إلى مشهد مقزز. الدفن يضمن سلامة الأحياء من الأذى الجسدي والنفسي الناتج عن رؤية الجثة المتحللة.
خاتمة:
سواء كان المقصود بالبروز هو ظهور الأعمال أمام الله، أو خروج الناس من قبورهم يوم القيامة، فإن الرسالة واحدة: لا يخفى على الله شيء. يعلم السر والجهر، فلا مفر من مراقبته عز وجل.
