السكن في جوار المقدسات وأثره الروحي – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
قد يتساءل البعض: كيف لأب أن يترك زوجته وطفله في صحراء قاحلة لا ماء فيها ولا زرع؟ لكن نبي الله إبراهيم عليه السلام لم يفعل ذلك اعتباطًا، بل كان لهذا الفعل حكم إلهية عظيمة، منها:
السكن في جوار بيت الله المحرم: فقد كان إبراهيم عليه السلام يعلم أن من يسكن بجوار بيت الله يكون في حفظه وأمانه، كما أن الله لا يضيع من هو في جواره، فكيف إذا كان وليدًا صغيرًا ووالدته المؤمنة؟
تهيئة مكة لتكون منطلقًا للرسالة الإلهية: فقد شاء الله أن تنشأ فيها دعوة التوحيد، وأن يكون إسماعيل عليه السلام ممن يُسهم في بناء هذه الرسالة السماوية.
وقد جاء في دعاء إبراهيم عليه السلام:
“رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ.”
فضل السكن في جوار مراقد الأولياء
نستلهم من هذه الحادثة ارتباط المؤمنين بالمواقع المقدسة، حيث يفضل الكثير من شيعة أهل البيت عليهم السلام السكن بالقرب من مراقد الأئمة الطاهرين، رغم أن هذه البقاع، مثل النجف الأشرف وكربلاء المقدسة، كانت أيضًا قاحلة وفقيرة بالموارد الطبيعية. لكن الارتباط بهذه الأماكن ليس ماديًا، بل روحيًا، حيث يرى المؤمنون أن السكن بجوار مراقد الأولياء يفيض عليهم من بركاتهم ويعمّق ولاءهم لهم.
النجف الأشرف وعلاقتها بالعلماء والمفكرين
عبر التاريخ، حاول الطغاة محاربة سكان هذه المناطق المقدسة، لأنهم يحملون مبادئ أهل البيت عليهم السلام. ومع ذلك، بقيت النجف الأشرف منارةً للعلم والفكر، حيث تخرج منها كبار العلماء والمراجع الذين أثروا الفكر الإسلامي وساهموا في نشر المعارف الدينية.
وقد قال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله عن أمير المؤمنين عليه السلام:
“أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد المدينة فليأتِ الباب.”
مدح النجف الأشرف في الشعر
لم تكن النجف مجرد مدينة، بل رمزًا للعلم والإيمان، وقد وصفها الشاعر عبد الباقي العمري بقوله:
ولمـــا رســينا للغــريَّ عشــيةً *** لمن قد ثوى فيه احترامًا وتبجيلا
ربطنــا بأخفـاف المطـيَّ ثغورنـا *** فأشـبعت البيـداء لثمـًا وتقبيلا
الخاتمة
السكن في جوار المقدسات ليس مجرد اختيار جغرافي، بل هو ارتباط روحي ومعنوي يترك أثرًا عميقًا في النفوس. وكما اختار إبراهيم عليه السلام أن يترك ذريته بجوار بيت الله، يختار المؤمنون السكن في جوار مراقد أوليائه، ليستلهموا من سيرتهم النور والهداية.
مواضيع مشابهة
وثائقي عن حركة الإعمار في مرقد الإمام علي (ع) – الجزء الثاني