قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: المنبر العميد
آخر برامج من: الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

مال هذا الرسول يأكل الطعام – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله

يُعد النقد الذي وُجه لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجتمع الجاهلي من أبرز المحاور التي تظهر صراع الأفكار بين المفاهيم الدنيوية والمفاهيم الغيبية.

فقد تَمَّ التعبير عن استغرابهم من نمط حياة الرسول الذي يشمل تناول الطعام والمشي في الأسواق، مما يعكس تصورهم الضيق عن طبيعة الاتصال بين الإنسان والخالق.

طبيعة المجتمع الجاهلي

المادية والعالم الملموس:

كان المجتمع الجاهلي يتميز بمادية كبيرة، حيث كان الإنسان ينغمس في شؤون الحياة الدنيوية مثل الطعام والشراب وسبل الكسب.

نظرة محدودة للغيبي:

لم يكن لدى أهل الجاهلية تصور كافٍ للاتصال المباشر مع السماء أو تلقي الوحي؛ إذ كانوا يعتقدون أن العلاقة بين الإنسان والخالق يجب أن تتم عبر وسطاء مثل الملائكة.

مواقف النقاد والظالمين

انتقاد نمط حياة الرسول:

عبر الكفار عن استغرابهم من حقيقة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، معتبرين أن هذه الأعمال ترتبط بالمعاش وكسب الرزق المادي.

المطالبة بظهور الملائكة أو الكنوز:

اقترح البعض أنه لو كان الوحي حقيقياً، لأُنزِل إليه ملك يصحب رسالته أو يُلقى له كنز أو تُمنح له جنّة يتمتع منها، مما يدل على عدم فهمهم لطبيعة الاتصال الإلهي.

شرح الآية الكريمة

“وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا * أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا”

النظر إلى الحياة الدنيوية من منظور غيبي:

كانت الفكرة السائدة عند أهل الجاهلية أن ما يُظهر من الأعمال المادية هو ما يدل على صحة الرسالة.

ومن هنا جاء استغرابهم من أن رسول الله يعيش حياةً طبيعية لا تختلف كثيراً عن حياة غيره من الناس، رغم أنه مُكلَّف بنقل رسالة سماوية.

تأكيد أن الرسالة لا ترتبط بالمظاهر الدنيوية:

الرسول ليس بحاجة إلى مرافقات سماوية ظاهرة (كالملائكة) أو أدلة مادية (كالكنوز أو الجنات) لإثبات صدق رسالته.

إذ أن الاتصال مع الله يتم بطرق غيبية وخفية، تتجاوز حدود الحواس المادية.

رد الفعل الظالم وموقفهم:

إن القول بأن الرسول «رجلاً مسحوراً» يعكس محاولة الظالمين تقويض مصداقية الرسالة عبر تحريف مفهوم الاتصال الإلهي.

إنهم يختزلون المعجزات الغيبية في مظاهر ملموسة، مما يكشف عن محدودية فكرهم وارتباطهم الشديد بالعالم المادي.

أهمية الفهم المعمق للرسالة

التمييز بين المادي والروحي:

يجب فهم أن الرسالة السماوية تسعى إلى تحرير الإنسان من غياهب الدنيا، لتكون حياته أكثر اتساعاً وشمولية بين مادي وغيبي.

دور العقل في استيعاب الوحي:

إن التعمق في تفسير هذه الآية يدعو إلى التفكير بعمق في معنى الوحي وعلاقته بحياة الإنسان اليومية، بعيداً عن التصورات السطحية والمادية.

خاتمة

يعكس النقد الذي وُجه لرسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية اختلافاً جذرياً بين النظرة الدنيوية والمادية لأهل الجاهلية وبين منظور الرسالة الإلهية الغيبي. فبينما كان المجتمع الجاهلي يقيّم الأمور من منظور مادي بحت، تؤكد الآية أن الجوهر الحقيقي للرسالة لا يكمن في المظاهر أو في العلامات الدنيوية، بل في الاتصال الروحي العميق مع الله. ومن هنا يظهر جلياً أن المقاربة الصحيحة للرسالة تحتاج إلى تجاوز النظرة المحدودة والتركيز على البعد الروحي والغيبي للحياة.

مواضيع مشابهة

قبسات من حياة النّبي (ص)
أحاديث في المبعث وإظهار الدعوة وما لقي من القوم