قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: المنبر العميد
آخر برامج من: الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

حقيقة الموت في القرآن الكريم – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله

كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ

تشكل هذه الآية الكريمة من سورة آل عمران الأساس في فهم حقيقة الموت في الإسلام، إذ تذكر الإنسان بأن نهاية الحياة الدنيوية حتمية وأن الحساب والعقاب الإلهي سيكونان حقيقيين يوم القيامة. يتناول هذا المقال المفصل حقيقة الموت وفق القرآن الكريم، موضحًا صفات الروح وعلاقتها بالموت، والجزاء الإلهي للمؤمنين والكافرين، بالإضافة إلى الدروس والعبر التي يستفيد منها المسلم في حياته اليومية.

حقيقة الموت وفق القرآن الكريم

يُعتبر الموت حقيقة لا مفر منها تُشعر الإنسان بالوقار والتواضع أمام عظمة الخالق. وفي ضوء الآية الكريمة، يُستدل على أن:

الموت قدر محتوم: “كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ”؛ أي أن كل إنسان مهما بلغ من القوة أو التكبر لن يفلت من هذه الحقيقة.

الجزاء والعقاب الإلهي: تشير الآية إلى أن أجور الناس تُوفَّى في يوم القيامة، حيث يُحاسب كل فرد على أعماله، سواء كانت صالحًة أم سيئة.

يدعو القرآن الكريم الإنسان إلى إدراك حقيقة الموت ليوقظه من غفلته، ويذكره بأن التكبر والظلم لن يُغلب عليهما حسابٌ دقيق يوم القيامة، حيث ستُكشَف الحقائق وتتجلى العدالة الإلهية.

خواص الروح وعلاقتها بالموت

لفهم طبيعة الموت، ينبغي النظر إلى مفهوم الروح كما يبيّنه القرآن الكريم:

غير مادية: الروح ليست جزءًا من المادة كالأنسجة والأعضاء في الجسد، لذلك لا تتأثر بعملية الفناء الجسدي بنفس الطريقة.

علاقة تدبيرية بالجسد: العلاقة بين الروح والجسد هي علاقة تدبير، إذ تقوم الروح بإدارة وظائف الجسد وإشرافه خلال الحياة الدنيا دون أن تكون ملتصقة به مادياً.

الوعي بالحالة بعد الموت: يُفهم من وصف النفس بـ”ذائقة الموت” أن للروح إدراكًا لما يحدث لها بعد فناء الجسد، مما يتيح لها الاستشعار بالتغيرات والانتقال إلى الحياة الآخرة.

تؤكد هذه النقاط أن الموت ليس نهاية الوجود بل هو انتقال إلى حالة جديدة تُحددها العدالة الإلهية.

الجزاء والعقاب يوم القيامة: العدالة الإلهية

يُبرز القرآن الكريم أن يوم القيامة هو موعد تسوية الحساب، حيث:

الأجر المضاعف للمؤمنين: من عمل صالحًا سيُجزى عليه بأجره مضاعف، مما يشجع المؤمنين على الاستمرار في الطاعات والعمل الصالح.

استرجاع الحقوق: لأولئك الذين سلب لهم حق في الدنيا، فإن الله يُعيد إليهم حقوقهم كاملة دون نقصان.

إنذار لمن ظَلِم: يجب على الإنسان أن يتحرى العدل والإنصاف في معاملته للآخرين، فلا يكون سببًا في تأخير حقوق أحد أو رفع شخص على حساب آخر، إذ سيكون هذا سببًا لاحتساب الذنوب عليه يوم القيامة.

الفوز الحقيقي والسعادة في الآخرة

يتضح من القرآن أن الفوز الحقيقي لا يُقاس بالملذات الدنيوية بل بـــ”النجاة من النار”، وهو ما يعني:

السعادة الحقيقية: تُعرف السعادة في فلسفة الإسلام بأنها الخلو من الألم والعذاب؛ فالفوز بالجنة هو نعيم دائم لا يُضاهى.

النهاية المثلى للمؤمن: إن الحصول على الجنة بعد تجاوز عذاب الحساب يعني تحقيق الفوز العظيم؛ فكيف لا يكون ذلك مصدرًا للسعادة الدائمة والرضا الإلهي؟

كيف يستفيد المسلم من تذكُّر حقيقة الموت؟

إن تذكُّر حقيقة الموت له أثر بالغ في سلوكيات وتصرفات المؤمن، فهو يدفعه إلى:

الابتعاد عن التكبر والظلم: إذ يعلم أن كل عمل سيحاسب عليه يوم القيامة.

السعي لتحقيق العدالة والإنصاف: فالتزام الحقوق والواجبات في العلاقات الاجتماعية يضمن عدم كون الإنسان خصمًا لأحد يوم الحساب.

العمل على تحقيق الاستقامة في الحياة: بالاستفادة من الوعظ القرآني، يُعيد المسلم ترتيب أولوياته في الحياة، مركّزًا على الطاعات والعمل الصالح.

الخاتمة

إن حقيقة الموت كما وردت في القرآن الكريم تضع كل إنسان في مرمى العدالة الإلهية، وتذكره بأن الحياة الدنيا ما هي إلا “متاعُ الغرور” مقارنةً بالنعيم الأبدي الذي ينتظر المؤمنين في الآخرة. لذلك، فإن إدراك هذه الحقيقة يحفز الفرد على تحقيق العدل، والابتعاد عن الظلم والتكبر، والسعي لعمل الخير، لأن الفوز الحقيقي يكمن في النجاة من النار ودخول الجنة.

 

 مواضيع مشابهة

عبير الكلام – 54 – ما بعد الموت

أحاديث في حبّ لقاء الله وذمّ الفرار من الموت