نقصان الأرض من أطرافها – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب)
تحدثت الآية الكريمة عن نقصان الأرض من أطرافها، والأطراف تطلق تارة على الأقطاب وأخرى تطلق على الجزء الأخير من الجسم سواء كان قطبا أم لا.
وقد اختلف المفسرون في تفسير نقصان الأرض من أطرافها، فذهب جماعة من المفسرين إلى أن معنى (ننقصها من أطرافها) أي ندخل بعض الأرض في ملك جماعة ونخرجه من يد جماعة أخرى، وفي هذا إشارة إلى الفتوحات التي جرت عند المسلمين وغير المسلمين.
ففي الفتوحات الإسلامية تملك المسلمون وأخذوا أراض لمن تكن بحوزتهم وتحت سلطتهم من قبل، وهي مداولة بين هذه الجماعة وتلك، فقد كان المسلمون ذات يوم في الأندلس يحكمون وينعمون فيها، وقد أخرجت لنا تلك الأرض نماذج من العلماء والشعراء والأدباء قل نظيرهم كابن رشد مثلا.
ومن الغريب أن الإنسان يدعي ملكيته للأرض في حين أنه يملكها ما دام متمكنا من الانتفاع منها، فلو قبض الله روحه وخرج من دار الدنيا انتهى انتفاعه بهذا الملك الذي ادعاه لنفسه وانتقل إلى ملكية غيره، وهكذا تدور الأيام، وقد قال تعالى في محكمه كتابه الكريم (وتلك الأيام نداولها بين الناس).
وقال جماعة أخرى من المفسرين إن المقصود بنقصان الأرض من أطرافها هو عوامل التعرية والتجوية والتآكل التي تحدث للأرض كل يوم، وهي من الظواهر الطبيعية التي قد لا نلاحظ وجودها إلا قليلا. ويقال إنه في منطقة جبال الهيمالايا وحده حدث انتقال في التربة بما مقدار ثلاثون مليون طنا من التراب في فترة وجيزة.
أما ما عليه جمهور المفسرين فهو أن المقصود من نقصان الأرض من أطرافها هو موت العالم وفقدان العلماء، لأن العلماء هم في الحقيقة أهم عناصر المجتمع، وإذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شيء كما ورد في الرواية، ولو فقد العلماء من أرض ومجتمع فإن قيمة تلك الأرض وذلك المجتمع ستتلاشى وتضمحل، وستجد الحياة تافهة لا روح فيها، فالعلماء هم روح المجتمع وجوهره الذي لا يمكن الحياة بدونه.