صفة الرحمن – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان)
يسمي المفسرون سورة الرحمن عروس القرآن، وهي من السور المكية التي نزلت في مكة المكرمة، وقد كانت الآيات والسور التي تنزل في مكة المكرمة قبل الهجرة النبوية الشريفة لا تقرأ علانية وعلى الملأ، فقد كان المسلمون يدخلون البيوت ويقرؤون القرآن بداخلها كي لا يسمعهم أحد من مشركي قريش، فقد كانت الدعوة في مكة المكرمة لا تزال في المرحلة السرية، وكان المسلمون حينها ملاحقون مستضعفون يفتك بهم المشركون في مكة ولا يرحمونهم.
وكان إذا عرف أحد من المسلمين بانتمائه إلى الدين الجديد فهو لا يخرج عن أحد مصيرين: إما أن يكون منتميا لأحد القبائل الكبرى بحيث تذود عنه قبيلته وتدفع عنه الأذى فلا تصل إليه يد سوء، أو لا يكون منتميا إلى أحد هذه القبائل فينال نصيبه من الأذى والتعذيب الذي نال من المسلمين من ناله، فالحكم في مكة لامركزي قبلي، والقبائل هي التي تحكم ولا يوجد حاكم واحد.
ولما نزلت سورة الرحمن قال بعض المسلمين في أنفسهم بأن المشركين لم يسمعوا القرآن جهرا إلى اليوم، فلم لا نقرأ عليهم شيئا من القرآن جهرا لعلهم إذا سمعوه تأثروا به واهتدوا إلى دين الله.
فخرج من بينهم الصحابي المعروف عبد الله بن مسعود وتطوع بأن يقوم بذلك فرفض المسلمون السماح له بأن يقوم بذلك لأنه ليس لديه قبيلة تحميه إن تعرض له المشركون، لكن ابن مسعود أبى إلا أن ينفذ ما يدور بداخله، فخرج إلى مكان بين الصفا والمروة ورفع صوته وقرأ هذه الآيات من سورة الرحمن، فخرجت له قريش وأوسعوه ضربا حتى أدموه.
إن صفة الرحمن هي من الصفات المختصة بالله وحده، وإن جاز أن يسمى أحدهم رحيمًا أو راحمًا فلا يجوز لأحد أن يسمى بالرحمن، لأن صفة الرحمن تعني أن صاحبها وسعت رحمته كل شيء في الوجود، وهذا لا ينطبق على أحد غير الله سبحانه وتعالى، والله سبحانه وتعالى هو المختص بصفة الرحمن هذه، ولو سمي أحدهم بهذه الصفة لعادت تلك الصفة بشكل تلقائي إلى صاحبها الوحيد وهو الله تبارك وتعالى.