قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: المنبر العميد
آخر برامج من: الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

الاعتماد على القرآن – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله

(وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا) سورة الكهف: 27

في زمن تتعدد فيه المصادر وتكثر فيه الروايات والآراء، يبقى القرآن الكريم هو المرجع الثابت والوحيد المعصوم من التحريف والتناقض. وهذه الآية الكريمة من سورة الكهف تضع قاعدة منهجية واضحة للمؤمنين: اعتمدوا على القرآن، ولا تلجؤوا لغيره مرجعًا في أمور الدين والعقيدة.

سياق نزول الآية

جاءت هذه الآية الكريمة عقب عرض قصة أصحاب الكهف، وهي من القصص التي كثر فيها الجدل بين الناس من حيث عددهم وتفاصيلهم وموقع كهفهم. وقد أراد الله عز وجل أن يُبيِّن أن المغزى ليس في التفاصيل الغائبة، بل في العبرة الظاهرة. ولهذا قال: (اتل ما أوحي إليك من كتاب ربك)، أي: خذ ما ثبت في الكتاب، ودع ما لم يذكره الله، فهو ليس محور الهداية.

معنى “اتلُ ما أُوحي إليك”

الأمر بالتلاوة هنا ليس مجرد قراءة لفظية، بل هو: اتباع منهج الوحي، والاعتماد عليه في الفهم والاستنباط، ونبذ كل ما لا يوافق الكتاب.

وقد يفهم البعض أن المعرفة محصورة بالقراءة والكتابة، لكن الآية تدل على أن المعرفة الحقة تأتي من نور الوحي، لا من حشو النصوص والروايات المتضاربة.

لا مبدّل لكلمات الله

قوله تعالى: (لا مبدل لكلماته)، تأكيد أن القرآن: محفوظ من التحريف (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، ولا يمكن لأي قوة بشرية أو شيطانية أن تغيّره أو تزيف معانيه، فبالتالي يبقى حجة الله الباقية على العباد إلى يوم القيامة.

وقد أصاب التحريف كتبًا سماوية أخرى، ودخل الضعف والوضع في عدد من الروايات، لكن القرآن محفوظ في ألفاظه ومعانيه وإعجازه وهداه.

القرآن هو المعيار

في زمن تعددت فيه المذاهب والروايات، وتضاربت فيه أقوال المفسرين والناقلين، تُرشدنا هذه الآية إلى: الرجوع للقرآن في كل أمر، ومن ثم عرض الروايات على كتاب الله، وأخيراً رفض كل ما يصطدم بمحكم القرآن.

فإذا تعارضت رواية أو تفسير أو اجتهاد مع القرآن، فهو مردود بلا تردد.

لن تجد من دونه ملتحدًا

كلمة ملتحد تعني الملجأ، والمأوى، والمصدر الذي يرجع إليه الإنسان عند الشدة والضياع.

والآية تنصّ على أنه: “لن تجد من دون هذا الكتاب أي ملاذ روحي أو علمي أو ديني يُغنيك عنه.”

فمن أعرض عن القرآن وقع في: الحيرة الفكرية، والتقلب العقائدي، والوقوع في البدع والتحريف

القرآن والعقل: انسجام لا تناقض

من أبرز ما يتميز به القرآن الكريم: أنه ينسجم مع الفطرة السليمة، ويحترم منطق العقل، ويُقدّم قواعد عامة تصلح لكل زمان ومكان.

فهو لم يذكر تفاصيل صغيرة في قصصه، لأنه يعلم أن الهدف ليس المعرفة التاريخية، بل بناء البصيرة.

وفي الختام:

الاعتماد على القرآن الكريم هو الضمان الحقيقي للهداية والفهم السليم للدين. وكل من يلجأ إلى غير القرآن كمصدر أساس للعقيدة والتشريع، فإنه سيقع في التناقض والاختلاف والاضطراب.

ولذلك فإن المؤمن الواعي يجعل من كتاب الله: المرجعية العليا، والميزان الذي يُعرض عليه كل شيء، والنور الذي يهتدي به في الفكر والعمل والعبادة والسلوك.

مواضيع مشابهة

المنبر العميد – 464 – تفضيل القرآن

الأنس بالقرآن الكريم