موالاة المؤمنين في الإسلام – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
يُعدّ مبدأ الموالاة بين المؤمنين من الركائز الأساسية التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي، حيث يعزز روابط المحبة والتعاون بين أفراده، مما يخلق بيئة قائمة على التكافل والتراحم. وقد أكد الإسلام على أهمية هذا المفهوم في العديد من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة، مشددًا على ضرورة دعم المؤمنين لبعضهم البعض في أمور الدين والدنيا، والتعاون في تحقيق الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
مفهوم الموالاة في الإسلام
الموالاة في الإسلام تعني النصرة والدعم والمودة بين المؤمنين، بحيث يكون المسلمون كالجسد الواحد، يتألم أحدهم فيشعر به الآخرون. وقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى:
“وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ…” (التوبة: 71)،
وهذا دليل واضح على أن الموالاة بين المؤمنين ليست مجرد علاقة سطحية، بل هي رابطة روحية وأخلاقية واجتماعية تهدف إلى بناء مجتمع متماسك.
المساواة بين الرجل والمرأة في الإسلام
لم يفرق الإسلام بين الرجل والمرأة في الثواب والعقاب، فجعل كليهما مسؤولًا عن أفعاله، وأتاح للمرأة فرصًا عظيمة في مختلف المجالات، لكن خصّ كلًّا منهما بوظائف تتناسب مع طبيعته، فجعل للرجل القوامة على المرأة في بعض الأمور نظرًا لاختلاف المسؤوليات والواجبات.
ورغم ذلك، فقد أثبتت المرأة المسلمة عبر التاريخ أنها قادرة على تحقيق النجاحات العظيمة، حيث برزت في ميادين العلم والجهاد والتضحية. فقد شهد الإسلام نساءً بارزات مثل السيدة زينب عليها السلام التي كان لها دور ريادي في حمل رسالة الإمام الحسين عليه السلام بعد معركة كربلاء، ونساء أخريات وقفن مواقف بطولية مشرفة.
أهمية الموالاة بين المؤمنين
1. تحريم موالاة الكافرين ضد المؤمنين
يؤكد الإسلام على ضرورة أن تكون الموالاة بين المؤمنين أنفسهم، ويحذر من اتخاذ الكافرين أولياء ضد المسلمين. قال الله تعالى:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ…” (النساء: 144)،
فموالاة الكافرين على حساب المسلمين تقود إلى تفكك الأمة الإسلامية وضعفها، في حين أن التعاون بين المؤمنين يحقق القوة والمنعة.
2. وجوب نصرة المؤمنين لبعضهم البعض
أكدت تعاليم الإسلام وروايات أهل البيت عليهم السلام على ضرورة دعم المؤمنين لبعضهم البعض ماديًا ومعنويًا، سواء عبر مساعدتهم في أمور دنياهم كالإحسان والإغاثة، أو عبر إرشادهم في أمور دينهم من خلال التناصح والتوجيه.
3. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
يُعدّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم أوجه الموالاة بين المؤمنين، فلا ينبغي للمرء أن يسكت على الخطأ إذا رآه، بل يجب أن يكون داعيًا للخير ومحذرًا من الشر، لأن في ذلك حفظًا للمجتمع الإسلامي من الانحراف.
قال رسول الله ﷺ: “من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.”
وهذا يوضح أهمية المشاركة الفعالة في تقويم المجتمع وحمايته من الفساد والانحراف.
التضحية في سبيل إصلاح الأمة
من أعظم الأمثلة على موالاة المؤمنين والتضحية من أجل الإصلاح، هو ما قام به الإمام الحسين عليه السلام عندما قدّم دمه الشريف فداءً لإنقاذ الأمة الإسلامية من الضلال والفساد. فقد وقف عليه السلام ضد الظلم، وضحى بكل ما يملك من أجل إقامة العدل وتصحيح المسار الإسلامي.
إن التضحية في سبيل نصرة الحق وإصلاح المجتمع ليست حكرًا على شخص أو زمان معين، بل هي مسؤولية تقع على عاتق كل مسلم، إذ يجب أن يكون كل فرد عاملًا للإصلاح بقدر استطاعته.
خاتمة
يعدّ مبدأ موالاة المؤمنين حجر الأساس في بناء مجتمع إسلامي متماسك يسوده التعاون والمحبة والتكافل. فالإسلام لا يقوم فقط على العبادات الفردية، بل هو نظام اجتماعي متكامل يعزز الروابط بين أفراده. ومن خلال الالتزام بمبدأ الموالاة، يمكن تحقيق وحدة الأمة الإسلامية، والتغلب على التحديات بروح الإخاء والتضامن.
