حمد وشكر المنعم عز وجل – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ، يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ، إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) سورة فاطر، الآية 1
افتتحت هذه السورة العظيمة بـ “الحمد لله”، وهي الكلمة التي تعني الإقرار بالنعمة والثناء على المنعِم، لا لطلب مزيد، بل لإظهار الاعتراف بفضله وعظمته.
إن الحمد ليس مجرّد لفظ، بل هو حالة وعي وشعور قلبي بفضل الله الذي لا يُعدّ ولا يُحصى.
الحمد واجب عقلاً وشرعاً
يقرّ العقلاء بأن شكر المنعم واجب فطري، فكيف إذا كان المنعِم هو خالق السماوات والأرض ومفيض الوجود كله؟
وإذا كان شكر الإنسان الذي يسدي معروفًا لغيره أمرًا طبيعيًا، فكيف بربٍّ خلقك، ورزقك، وأحاطك برحمته دون أن تسأله أو تستحق ذلك؟
بل إن الله تعالى هو من أعطى العبد المال، وزرع فيه الكرم، وسخّره ليكون سببًا في إيصال الرزق للناس، فحتى إحسان العبد لغيره هو في حقيقته نعمة إلهية متسلسلة.
عطاء الله مطلق.. لا يحدّه هدف ولا مصلحة
يميل الناس في عطائهم إلى غاية: شهرة، رياء، مصلحة دنيوية، أو حتى رغبة في ثواب الآخرة، أما الله جل جلاله، فإنه غني عن العالمين.
يعطيك لأنه رحيم، حنون، كريم، لا ينتظر منك طلبًا ولا يعرف المنّ عليك.
عطاء الله شمل المؤمن والكافر، البارّ والفاجر
كما في الحديث: “لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة، ما سقى كافرًا منها شربة ماء”، أي أنه يرزق الجميع رغم كفر البعض به.
يعطي من سأله ومن لم يسأله
المنعِم من البشر لا يعطيك إلا إذا سألته، بل ربما يعتذر أو يتكبر.
أما المنعم الإلهي، فيعطي من سأله، ومن لم يسأله، ومن لم يعرفه أصلًا، كما ورد في الدعاء الشريف: “يا من يعطي من سأله، يا من يعطي من لم يسأله ومن لم يعرفه تحنناً منه ورحمة”
فهو تعالى يفيض عليك من حيث لا تحتسب، ويمنحك النعم قبل أن تخطر على بالك، لأنه ربٌّ يُحب عباده أكثر مما يحب أحدُنا أولاده.
فاطر السماوات والأرض.. دليل التوحيد
بدأت الآية بتوصيف الله بصفته “فاطر السماوات والأرض”، أي الخالق من العدم.
ثم ذكرت أن الملائكة رسلٌ بأجنحة، إشارة إلى امتداد النظام الإلهي في الكون، وكل ذلك ليؤكد أن الحمد إنما يليق بمن خلق، وأعطى، وأبدع، ولا يشاركه أحدٌ في ملكه وقدرته.
“يزيد في الخلق ما يشاء”
في الخلق مجالٌ للإبداع والتجدد بلا حد، فالله لا يعجزه شيء، وهو على كل شيء قدير.
خلاصة الكلام:
شكر الله تعالى ليس مجرد دعاء لفظي، بل هو وعي قلبي وسلوك حياتي، يبدأ بالإقرار بالنعم، ويتجلى في التواضع، والعمل الصالح، وعدم نكران الفضل الإلهي في كل شيء.
الحمد لله… مفتاح القرب، وأصل الطمأنينة، وبداية الطريق إلى الله.
مواضيع مشابهة
خير الزاد – 913 – الشكر وكيفيته