الاعتبار بالأمم السابقة – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين)
قال جماعة من المفسرين في سبب نزول هذه الآية الكريمة هو أن جماعة دخلوا على النبي صلى الله عليه وآله وقالوا له: إننا نود دخول الإسلام واتباعك نبيا وليا مرشدا، ونحن نعرف أن دعوتك دعوة حق وصدق لكننا نخشى على أنفسنا وديارنا بأن يتخطفنا الناس من حولنا فيهجموا علينا إن نحن اتبعناك وسرنا على هديك ومنهجك، فأجابهم النبي صلى الله عليه وآله محاججا إياهم بأنهم ألم يكونوا في حماية بيت الله الحرام في الجاهلية عندما كانوا يتناحرون ويتقاتلون مع القبائل الأخرى في حروب الجاهلية؟ ألم يحتموا بالكعبة بيت الله الحرام؟ فإن كان البيت ورب البيت من ورائه قد حماهم في عهد الجاهلية فكيف لا يحميهم وهم قد دخلوا دين الله وساروا على خطى نبيه؟
إلا أن شأن النزول هذا غريب ويبدو بعيدا كل البعد عن فحوى الآية ومضمونها، وبغض النظر عن صحة ما يروى في شأن نزولها من عدمه فإن الآية حية تصلح لكل زمان، فهي تتحدث عن سنة من سنن الله في الأرض وتحث الناس في كل زمان ومكان على الاعتبار بالأمم السابقة وحالهم التي كانوا عليها ثم آلوا إليها، فمن سنن الله في الأرض تعاقب الأجيال والأمم والحضارات ليفسحوا المجال لغيرهم كي يعمر الأرض وينال فرصة من أجل اختباره من قبل الباري عز وجل.
وتحدثت الآية الكريمة عن القرية التي تشير في اللغة القديمة إلى ما نسميه اليوم بالمدينة وليس القرية بمعناها المتبادر إلى الذهن اليوم، فالقرية اليوم تعني تجمعا سكانيا بسيطا، أما في لغة أهل ذلك الزمان الذي نزل فيه القرآن فقد كانت تعني المدينة.
تحدثت الآية المباركة عن أن الله يهلك المدن والناس الذين يسكنونها بعد بطرهم وكفرهم بنعم الله التي أنعم بها عليهم ليأتي بعدهم بقوم آخرين.
وقد شهدنا على مر تاريخنا الإسلامي من تاريخ الخلفاء الأمويين والعباسيين وأمثالهم الكثير من هذه الأنماط، حيث عاث هؤلاء في الأرض فسادا، وكانت مجالس قصورهم عامرة بالخمور والفجور والطرب وصنوف المحرمات، فأمهلهم الله إلى أن انتهت حضارة المسلمين ولم تقم لها قائمة حتى يومنا هذا.