اتباع الذكر… طريق النجاة – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ( ياسين: 11
في هذه الآية المباركة، يُخبر الله تعالى نبيه الأكرم صلى الله عليه وآله أن الإنذار لا ينفع كل الناس، بل ينفع فقط من كان له قلب سليم ووعي روحي حيّ، من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب.
ما معنى الإنذار؟
الإنذار لغةً هو التحذير من العاقبة السيئة، ويقال: “أنذر فلانًا” أي أبلغه أنه إن خالف الأوامر نزل به العقاب.
لكن القرآن يبين أن الإنذار لا يؤثر على من ختم الله على قلبه، فكما أن المطر لا يُنبت على صخرة، فكذلك الوحي لا يُثمر في قلب قاسٍ مغلق، فالإنذار كالمطر لا يُثمر إلا إذا وقع على أرض خصبة (أي قلب سليم).
ألم النبي صلى الله عليه وآله على قومه
من شدة شفقته على الناس، كان النبي صلى الله عليه وآله يتألم لعدم إيمانهم، حتى قال له الله تعالى: “فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ” فاطر: 8
وهذا يعكس عظمة قلبه الشريف وحرصه على هداية البشرية، لكنه أُمر بأن الهدى بيد الله، ولا يُفرض على أحد.
الذكر في القرآن = القرآن الكريم نفسه
جاءت كلمة “الذِّكر” في مواضع متعددة في القرآن، ومن أبرزها: “إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ” الحجر: 9
فاتباع الذكر يعني: الإيمان بالقرآن ومضمونه، والعمل بأوامره وتشريعاته.
لكن للأسف، ما نراه في الواقع هو أن معظم المسلمين يقدّسون القرآن ولا يعملون به، في حين أن قيمة القرآن في التطبيق العملي لا في التبجيل النظري.
عدم العمل بالقرآن… سبب التخلف الحضاري
حين نرى أن الأمم التي تطبّق قوانين بشرية صارمة قد سبقت المسلمين حضاريًا، نتساءل:
كيف يكون حال أمة تملك دستورًا من عند خالق الكون، ولكنها لا تطبّقه؟
السبب الجذري لتخلف المسلمين ليس الإسلام، بل هجر القرآن: (وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورًا( الفرقان: 30
هل القرآن صالح لكل زمان؟
من الشبهات المتكررة: “القرآن نزل لزمن قديم، ولا يصلح للحياة الحديثة”، والرد على هذه الشبهة:
القرآن ليس فقط نصوصًا ظرفية، بل يحمل قواعد خالدة للحياة
إن تغيّرت الأدوات، فالمعايير الأخلاقية والعدلية لا تتغير
فعلى سبيل المثال:
في زمننا وُجدت “الجمعيات”، وهي أمر لم يُذكر حرفيًا في القرآن،
ولكن وُضعت قاعدة: “وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ” المائدة: 2
فكل مؤسسة تعمل للخير فهي مأمور بها، وإن كانت للفساد فهي محرّمة.
خلاصة عملية
إن اتباع الذكر يعني أن نعيش القرآن إيمانًا وسلوكًا، وإن الإنذار القرآني ليس للزجر فقط، بل لبثّ الرحمة والأمل، فمن يريد العمل بدين الله، فليبدأ بتفعيل القرآن في تفاصيل حياته، وبالنتيجة: لا صلاح للأمة إلا بإحياء القرآن قلبًا وسلوكًا، لا مجرد غلاف ومصحف مزخرف.