(إن جهنم كانت مرصادا * للطاغين مآبا * لابثين فيها أحقابا)
العقاب الإلهي – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
إن العقاب الإلهي الذي تتحدث عنه هذه الآيات واقع لا محالة بتأكيد القرآن في هذا الموضع والعديد من المواضع في القرآن الكريم، وهذا العقاب الإلهي يتمثل بنار جهنم، وجهنم كلمة ذات أصل أعجمي غير عربي كغيرها من الكلمات الأعجمية التي درج استعمالها على لسان العرب فصارت جزءا من اللغة، وجهنم هي بمعنى السجن للعصاة والمتمردين على الأوامر.
ويقول تعالى إن هذا العقاب الإلهي المتمثل بنار جهنم هو كالمرصاد الذي يترصد كل من يستحق أن ينال منه، ولا مفر منه.
ولكن السؤال المطروح هنا هو كيف يمكن أن يحبس الإنسان في نار جهنم؟ ومن المعلوم أن نارا بلغت حرارتها مائة درجة مئوية لو رمي الإنسان فيها ما يلبث أن يموت على الفور، فكيف بنار تقول بعض الروايات أن حلقة واحدة من حلقاتها لو ألقيت على الأرض لأحرقتها؟!
وهناك نزاع قائم بين المذاهب الإسلامية حول مسألة خلق الجنة والنار، فهناك من يقول بعدم خلق الجنة والنار وهناك من يقول بخلقها، والصحيح أنها مخلوقة، فوجودها يشكل رادعا أمام الإنسان ليتعظ ويسعى إلى الجنة ويتجنب النار، وهذا هو الهدف من وراء وجود الجنة والنار.
وإن الإنسان لا يتعظ بواعظ من نفسه بل يحتاج في الأعم الأغلب إلى رادع وحوافز تجعله يختار الخير من الشر والحق من الباطل، فترى الإنسان ينكر أو ينسى نعم الله عليه التي قال تعالى عنها (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها)، فنعمة الصحة مثلا من النعم المنسية التي غالبا ما يكون الإنسان غافلا عنها، لكنه لو ذهب إلى مشفى ورأى هذا مطروحا على الفراش يتلوى من الألم وآخر يصيح ويندب لقدر نعمة الصحة والعافية التي يعيشها وحمد الله حمدا كثيرا.
أما طغيان الإنسان فمعناه مجاوزة الحد، والطغيان في الدنيا بالظلم وفي الدين بالكفر، وهو من يقول القرآن الكريم عنهم إن مأواهم النار وبئس مثوى الظالمين، وهذه هي الغاية من العقاب الإلهي.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن في الفكر الإسلامي خلافا في مسألة الطاعة للحاكم، فعند علماء المذاهب الأخرى تشترط العدالة كأساس في الحكم ولا ينبغي أن يؤمر على الأمة حاكم ظالم.
أما بالنسبة لمذهب أتباع أهل البيت عليهم السلام فهم يشترطون العصمة كشرط أساسي في الإمامة وقيادة الأمة، والعصمة تعني التنزه عن الخطأ والسهو والنسيان وإلى ما هنالك، وهذا يقطع الطريق على أي إمكانية للظلم بل وأدنى منه، ويجعل الحاكم مفترض الطاعة بالضرورة.
ولكن لو أن ذلك الحاكم العادل غيرته الأيام وبدأ بظلم الناس كما حدث مع غالبية الحكام المسلمين على مر التاريخ لم تسقط طاعته بل تجب طاعته ولا يجوز الخروج عليه ما دام حاكما بيده زمام الأمور ودفة القيادة، ويعللون ذلك بأنه لو حدث وخرج الناس عليه فلن يسلم الحاكم للأمر وستحدث معركة وقتال وسفك دماء، وبالتالي نقعد ونصبر على ظلمه وطغيانه حقنا للدماء والفتنة كما يقولون.
إلا أن لعلماء الإمامية رأيا آخر في هذا الصدد، فهم يؤكدون على ضرورة الخروج على الحاكم الجائر الظالم إذا ما توفرت الشروط المساعدة من توفر الناصر وإلى ما هنالك.
والحال أن التحجج بحقن الدماء ليس سليما ولا يستقيم، فهذا الحاكم الظالم إنما يقتل الناس ويهينهم ويدوس على كرامتهم كل يوم ألف مرة، وهل الحياة مجرد طعام وشراب لكي يسكت الناس عن الظلم ويعيشون كالبهائم بحجة أنهم يحقنون الدماء؟!
رغم أن هناك من أتباع الخط الآخر من عارض هذه الفكرة ولم يقتنع بفكرة القبول بالظلم مثل قصة طاووس اليماني مع أبي جعفر المنصور الدوانيقي.
ثم تقول الآية (لابثين فيها أحقابا)، والحقبة هي فترة من الزمن تقدر بثمانين سنة، ومعنى ذلك أن من يدخل النار لا يخلد فيها، فكل معدود منقض كما يقال، فيقضي المذنب عددا من الحقب في النار ثم يخرج منها.
والحال أن هذه الآية تختص بأهل التوحيد وأهل لا إله إلا الله، أما العقاب الإلهي لأهل الشرك وعدم توحيد الله فأولئك خارجون عن نطاق هذه الآية، لأنه ثبت في الروايات أن أهل التوحيد ومن قال لا إله إلا الله فقد أمن من عذاب الله، وهذا يدل على أن العقاب الإلهي مختص بالمشركين والكافرين دون المؤمنين.