العزّة الحقيقية في طريق الله – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) فاطر: 10
العزّة في الجاهلية: وهم الأصنام والمظاهر
كان المجتمع الجاهلي الذي بُعث فيه النبي محمد صلى الله عليه وآله يعيش حالة من الانفصال العقلي عن التوحيد، حيث اعتقدت قريش أن الأصنام هي مصدر عزتهم، بل كان يُخيل إليهم أن التخلي عن عبادة هذه الأوثان يعني خسارة المكانة والنفوذ.
وكانت عقولهم لم تستوعب إلهًا غيبياً لا يُرى، فكانوا يميلون إلى التجسيد الحسي في العبادة، وحتى اليوم لا تزال هذه العقلية الوثنية قائمة عند بعض الشعوب، وأحيانًا لدى بعض المسلمين الذين يصفون الله بصفات الأجسام، والعياذ بالله.
العزة والعُرف العشائري
من جهة أخرى، ساد في المجتمع العربي قبل الإسلام قانون القبيلة لا قانون العدالة. فالبداوة كانت ترى في تحكيم القانون ضعفًا ومهانة، وتعتبر أن “أخذ الحق باليد” هو العزّة الحقيقيّة.
العربيّ لا يقبل الخضوع لقانون خارجي.
الشريعة التي جاء بها الإسلام كانت تنسف هذا المفهوم، وتُقر بالمساواة بين الجميع، وتُحرّم الظلم والعدوان، وتقف إلى جانب الضعيف.
وهذا ما جعل بعض الأعراب يستثقلون الخضوع لقانون إلهي مصدره النبي محمد صلى الله عليه وآله.
القرآن يردّ: العزة كلها لله وحده
في خضم هذه التصورات الجاهلية، جاءت الآية الكريمة لتضع حدًا فاصلًا بين العزة الحقيقية والعزة المزيفة: “مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا”
فالعزة: ليست في المال، لأن المال زائل، وليست في النسب، لأن الأنساب لا تدوم، وليست في الجاه أو السلطة، لأنها تتبدل.
أما العزة بالله، فهي عزة لا تزول لأنها مستمدة من مصدر لا يفنى.
العزة في الإيمان والعمل الصالح
تُكمل الآية بعدها: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ)
وفيها إشارة عظيمة:
الكلم الطيب: هو الإيمان بالله والتوحيد والذكر والدعاء.
العمل الصالح: هو الوقود الذي يرفع هذا الإيمان، ويجعله مقبولًا عند الله.
فمن أراد الرفعة والعزة في الدنيا والآخرة، فعليه أن يرتقي بكلامه وسلوكه معًا، لا أن يكتفي بشعارات لا يصدقها العمل.
العبرة للمؤمنين في كل زمان
العزة الإيمانية هي تلك التي نراها مجسّدة في: العلماء الربانيين الذين لا تزال ذكراهم تملأ القلوب، والمجاهدين الصادقين الذين مضوا إلى ربهم تاركين أثرًا لا يُمحى، والصالحين الذين عاشوا بعزّ الله لا بذلّ الناس، وبقوا أعزاء في الحياة والموت.
خلاصة عملية
من أراد العزة، فليطلبها من عند الله لا من الخلق، وإن الكلم الطيب لا يكفي، بل يجب أن يُدعمه عمل صالح، والمجتمعات التي تظن أن العزة في المال أو الجاه، ستسقط حين تسقط تلك الأوهام، وإن الطريق إلى الله هو طريق العزّة الحقيقيّة.