مكانة المرأة في الإسلام – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم)
يثير الكثيرون في أيامنا هذه شبهات وملاحظات حول مسألة مكانة المرأة في الإسلام وبأن الإسلام لم يعط للمرأة حقها وظلمها وفضل الرجل على المرأة وفرقها عنه في كثير من الأمور في الحياة، وجعل دورها ثانويا في هذه الحياة يقتصر على دورها كأم في المنزل وتربية الأولاد وخدمة المنزل وما إلى ذلك.
ولسان حال الهدهد الذي يشير إليه القرآن الكريم في هذه الآية يدل على استغراب الهدهد من حال أولئك القوم الذين تحكمهم امرأة، فلم يكن من الاعتيادي أن ترتفع مكانة المرأة في تلك العصور بحيث تصبح ملكة أو تؤمر على أرض أو قبيلة ما، لكن بلقيس ملكة سبأ كانت كذلك وهذا ما أثار دهشة هدهد النبي سليمان عليه السلام.
وقد كانت المجتمعات آنذاك وحتى وقت قريب تمتهن المرأة ولا تعطيها أيا من حقوقها وتضعها على هامش الحياة، وكانت العرب والفرس والروم وجميع الشعوب الأخرى مشتركة في هذا الجانب ولا فرق واضحا بينها في هذا الجانب، ولم تصل مكانة المرأة بحيث تتبوأ المناصب القيادية أو الحساسة، بل كان يقتصر دورها على المنزل أو إشباع رغبات الرجال أو الخدمة كجارية وما إلى ذلك.
وحتى الثورة الفرنسية التي حدثت في القرن الثامن عشر والتي تعد من الثورات التي نادت بحقوق الإنسان وبحقوق المرأة بالذات، وكانت أهم شعارات الحرية والعدالة والمساواة، لكن فرنسا نفسها كان المجتمع الديني الفرنسي فيها يرى بعد بحوث ومداولات طويلة بأن المرأة خلقت لتخدم الرجل، وقد كانت المرأة تباع وتشترى كسلعة في أسواق أوروبا حتى وقت قريب.
وكان النقاش بين فلاسفة الغرب يدور حول ما إذا كان للمرأة روح أم غريزة فقط دون روح، وكان أعاظم فلاسفة أوروبا يتنازعون حول مثل هذه الأمور التي تحط من مكانة المرأة وقدرها.
أما الإسلام فجاء بتعاليم مختلفة تخالف جميع ما جاء قبلها بل وبعدها أيضا، فلا نرى إلى الآن نظاما يحترم مكانة المرأة ويقدرها ويعطيها حقوقها كاملة كما فعل المشرع الإسلامي، رغم وجود بعض الأصوات من علماء المسلمين ما يوحي بالحط من مكانة المرأة وموقعها.
واستند بعض فقهاء المسلمين إلى مقولة النبي (صلى الله عليه وآله) الشهيرة عن الفرس عندما ولوا عليهم ابنة كسرى (ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)، واستدلوا بها على عدم إمكانية وصول المرأة إلى الخلافة والولاية العامة، والحال أن هذه العبارة قد تكون مختصة بذلك الموضع بالخصوص ولا تعم جميع الأزمان والأمكنة.
وعلى الأقل فالأمر غير محسوم وهناك نقاش دائر بين الفقهاء في ذلك خصوصا في عصرنا هذه حيث تبرز إلى الساحة قضية مكانة المرأة بشكل متزايد.
وعلى كل حال، فالإسلام رسم للمرأة الطريق الأمثل لتسلكه في هذه الحياة، فالإسلام كرم المرأة وقدس الأمومة وجعلها أعظم وأشرف ما تقوم به المرأة، واعتبر المرأة التي تموت عند ولادتها شهيدة ولها أجر الشهداء، وأعطاها من الحقوق على أولادها ما لم يعطه للأب.
وحتى لو لم تشترك المرأة في ميدان الرجال كالسياسة والساحة العامة والقضاء وغير ذلك فهذا لا يعني حطا من مكانة المرأة ولا قدرها، فالأمر أشبه بتوزيع أدوار، فالله خلق الرجل ليقوم بأدوار كما خلق المرأة لتقوم بأدوار خاصة بها لا يستطيع الرجل ولا يقوى على أدائها كالأمومة ورعاية الأبناء وإرضاعهم والصبر عليهم وغمرهم بالدفء والحنان، كما أن الرجل يقوى على أمور لا تقدر المرأة عليها، وليس في هذا ولا ذاك انتقاص من أي طرف.
ولو كان للمرأة الحق في الاعتراض على بقائها في بيتها معززة مكرمة يأتيها رزقها دون أن تتعرض للأخطار ومشاق الحياة ومصاعبها، فللرجل الحق أيضا أن يعترض على أن يزج في آتون الحياة ورحاها التي تأكل الأخضر واليابس وتنهك أقوى الناس، فهل الخروج من البيت والكد والسعي في تلك الظروف الصعبة خارج المنزل والتعرض للأخطار يعد مزية أو فضيلة للرجل أم هو تكليف له عليه أداؤه؟
لكل دوره إذن، والمسألة مسألة تكامل وتوزيع أدوار لا قضية تنازع وتنافس، وهذا ما يحاول أن يصوره دعاة الدفاع عن حرية المرأة المزعومة التي إن رأيت فيما توصلوا إليه في مجتمعاتهم لرأيت العجب العجاب، فهل حرية المرأة تكمن في أن تعرض جسدها للناظرين وأن تصبح لعبة بيد الرجال متى ما اشتهتها نفوسهم أخذوا وطرهم منها ثم رموها كالخرقة البالية؟ هل هذا منتهى ما يطمحون إليه من مكانة المرأة وحقوقها المزعومة؟ أم ما يدعو إليه الإسلام من تكريم المرأة وإعطائها حق العلم والتعليم، بل فرض ذلك عليها لما فيه من تأثير في تربية أولادها؟
ولنا في تاريخ الإسلام العديد من النماذج المشرفة للمرأة المثالية التي جسدت معنى المرأة المسلمة ومنحت المرأة مكانتها الحقيقية التي أجزم بأن كل فتاة في الغرب تحلم بما وصلت إليه لو كشف عن بصيرتها.
ومن هؤلاء النسوة نسيبة بنت كعب المازنية التي سطرت ملاحم بطولية في معركة أحد في مداواة الجرحى وفي الانتقام لولدها الشهيد في المعركة، والخنساء أشهر شاعرات العرب التي فقدت أربعة من أولادها في معركة القادسية.
وخير منهن زينب بنت أمير المؤمنين عليهما السلام، زينب الكبرى، أم المصائب، ذلك النموذج الحي المضحي الذي تعجز كل الكلمات والألفاظ عن وصفها ووصف شجاعتها التي لا يصل إليها العديد من الرجال، فأين مكانة المرأة المفقودة في الإسلام؟ عن أي مكانة يتحدثون؟!