أثر الشيطان على العبد – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم * إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون)
يخبرنا الله سبحانه في هذه الآيات بكيفية التهيؤ لتلاوة كتابه الكريم، فلو أراد الإنسان أن يتناول وجبة دسمة عليه التهيؤ قبلها ببعض المقدمات كي يستطيع هضم هذه الوجبة.
ولما كان القرآن مائدة ضخمة تحتوي من العلم الكثير فقد أراد الله لنا أن نتهيأ بأفضل صورة لتلقي هذه العلوم، وأراد منا تصفية أذهاننا من كل شائبة كي نقرأ القرآن بتمعن وإدراك لمعانيه لكي تكون قراءتنا له نافعة لنا.
وأول وأكثر ما يشوش علينا أذهاننا هو الشيطان الرجيم، فأمرنا الله بالاستعاذة منه لكي نتفرغ لعبادة الله والتفكر في معاني كتابه العزيز.
وقد اختلف العلماء في ماهية الشيطان، لكن القسم الأبرز من العلماء وغالبيتهم العظمى قالوا بأنه من الجن ولكنه قد يتشكل بأي شكل من جماد أو حيوان أو إنسان، وهناك شواهد كثيرة من الروايات عن الصحابة وغيرهم ممن شاهدوا الشيطان وصارعوه وصرعوه، كما أن هناك روايات تقول إنه تمثل لقريش على صورة مالك المدلجي وطرح عليهم رأيه.
وهناك رأي آخر يقول إنه ليس له جسم خارجي وإنما هو عبارة عن قوى في داخل النفس، فالإنسان يشعر بقوى خير في داخله نابعة من الله سبحانه، وأحيانا يشعر بقوى شر أشبه ما تكون بالغرائز، وهذه القوى الشريرة هي الشيطان، وهذا الرأي محدث متأخر لا يستقيم.
ويعتقد بعضهم أن الشيطان متسلط على الإنسان، فكلما ارتكب أحدهم ذنبا أو جريرة جعل الشيطان شماعة لذنوبه وآثامه ليتنصل من المسؤولية، وكأن الشيطان مجرد شماعة يعلق عليها كل أخطائه، لكن الحقيقة هي بخلاف ذلك، فالإنسان مخير وليس مسير، وكما تقول هذه الآية الكريمة فهو ليس له سلطان على المؤمنين، والسلطان هنا ليس بمعنى أنه لا يؤثر فيهم مطلقا، لكنه في المقابل لا يمكنه أن يجبرهم على فعل القبيح من الفعل.
وغالبية علماء المسلمين قالوا بأن الاستعاذة إنما تكون قبل البدء بتلاوة القرآن، إلا أن هناك من العلماء ممن يتبعون ظاهر القرآن ولفظه وهم من أتباع المدرسة اللفظية في تفسير القرآن الكريم قالوا بأن الاستعاذة تكون بعد تلاوته، وذلك أخذا بظاهر اللفظ تماما دون اعتبار للعرف والملاك في فهم المعنى.
وفي مقابل ذلك هناك المدرسة الملاكية في التفسير والتي لا تأخذ بالظاهر دوما بل تبحث عن حقيقة المعنى المراد، فمثلا في قضية الزكاة، هل تتعين الزكاة فقط في النقدين -وهما الذهب والفضة- أم أنها تشمل العملات الورقية المستعملة في عصرنا الحاضر؟ فلا أحد اليوم يتعامل بالذهب والفضة، فلو اشترى أحدهم بيتا فهو يشتريه بنقود ورقية أو بتحويلات مصرفية، ولم يعد أحد يستعمل في هذه الأيام النقدين، فهل الزكاة منتفية في هذه الحال؟
هنا تأتي المدرسة الملاكية لتقول بوجوب الزكاة حتى في العملات الورقية لأنهم لا يتقيدون بالنص، على عكس المدرسة اللفظية التي تتقيد بالنص بشكل حرفي ولا تشذ عنه قيد أنملة وتتشدد تشددا غريبا في ذلك، وليس هنالك من داع إلى ذلك، فالملاك هو المهم وليس مجرد اللفظ.