عقر ناقة صالح عليه السلام – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب)
إن قضية عقر ناقة صالح عليه السلام هي من القضايا التي تكرر ذكرها في القرآن الكريم كعبرة للأمم اللاحقة، وقد ذهب بعض المفسرين في تفسيرها مذاهب غريبة، فجعلوها كأسطورة وأسهبوا في وصف الناقة وملابسات عقرها وما إلى ذلك غافلين عن أساس القضية ولبها وهو التحدي الذي أعلنه قوم نبي الله صالح عليه السلام ضد الله والأمر الإلهي بعدم عقر الناقة، وليس الأمر كله متعلق بالناقة نفسها.
ففي قضية مثل قضية عقر ناقة صالح عليه السلام ينبغي لنا أن نحترم العقل ولا نأخذ برأي أي مفسر كان لعله شطح في قوله أو كان فهمه لرواية ما سقيما فتوصل إلى ما توصل إليه مما يخالف العقل، فلا يجوز لنا أن نأخذ بذلك لمجرد احترامنا للمفسر، فاحترام العقل أولى من ذلك.
يتساءل بعضهم لماذا يهلك الله قوما وأمة بأكملها لمجرد عقر ناقة؟ ما قيمة الناقة لكي يعذب الله قوما على عقرها كل ذلك العذاب؟
إذن فإن المسألة مسألة مبدأ وليست مجرد قضية عقر ناقة أو ما شابه ذلك، فالناقة هي معجزة نبي الله صالح عليه السلام، وعندما هموا بعقر هذه الناقة فإنهم في الواقع كانوا يتحدون نهي الله عن عقر ناقة صالح عليه السلام فحق عليهم العذاب الذي حل بهم.
ولذلك يدعونا الإسلام وأهل البيت عليهم السلام إلى عدم استصغار أي ذنب مهما كان، فلعل الإصرار على ذنب صغير يهلك صاحبه ويكون سببا في عذابه ودخوله النار.
وإن ناقة صالح عليه السلام هي معجزة كباقي معاجز الأنبياء عليهم السلام وقتية أي تنتهي بمجرد انتهاء دورها بإيمان القوم أو بكفرهم وعذابهم، وحده نبي الأمة نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله هو من حباه الله وأنعم علينا بمعجزة خالدة لا تنتهي ولا تنضب إلى قيام الساعة، وهي معجزة القرآن الكريم، فمهما تقادمت الأيام وتتالت العصور وجدنا أن في القرآن من كل حكم ودرس وعبرة ما يصلح لكل زمان وكل مكان ولا تسقط أو تهرم بتقادم الأيام.
وحتى الأمور المستحدثة والتي لم تظهر إلا مؤخرا هناك في القرآن لها حكم ورأي كمسألة تقسيم المياه الإقليمية أو مسألة احترام أجواء الدول وما إلى ذلك.
وإن لم أجد الحكم في القرآن الكريم فأستطيع إيجاده في السنة النبوية الشريفة وأحاديث العترة من أهل البيت عليهم السلام، فلا يوجد أي قضية إلا ولها حل وحكم في القرآن وشريعة الإسلام.
وهذا لا يعني أبدا ما يستدل به بعضهم على بعض الأمور المستحدثة كالطائرات النفاثة أو الحاسوب أو شبكة الإنترنت من القرآن ويدعي بأن كل شيء موجود فيه حتى هذه الأمور، والحقيقة إن مثل هذه الأمور ليست من اختصاص القرآن حتى يخوض فيها ويتحدث عنها، فالله ترك مثل هذه الأمور إلى الإنسان وعقله وإدراكه لكي يتوصل إليها، أما القرآن فهو كتاب هداية وتوجيه وتنظيم للحياة، أما مثل تلك الأمور فهي خارجة عن نطاقه.
وهناك من المفسرين من يحرف الآية عن معناها الحقيقي لهدف في نفسه، فمثلا يأتي أحد المفسرين لتفسير آية (وورث سليمان داوود) فيقول بأن المقصود بها هو أنه أورثه العلم والحكم والنبوة وليس المقصود أنه أورثه مالا أو أمورا مادية.
وقوله هذا هو لكي لا يأتي أحد ليقول بأن هذه الآية تتعارض مع الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وآله والذي احتج به القوم على السيدة الزهراء عليها السلام في منعها إرث أبيها من فدك (نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة)، والحقيقة إنه لو صح هذا الحديث فإن معناه يختلف تماما عما ذهبت إليه أفهامهم، فهو يعني أن الأنبياء لا يورثون الأشياء التي تصدقوا بها، فكلمة ما أتت هنا بمعنى الذي وليس بمعنى النفي.
وحتى مع فرض ذلك المعنى فهي تتعارض مع صريح القرآن الذي لطالما ادعوا أنهم يتمسكون به وأنكروا علينا عدم تمسكنا به في بعض الموارد لأسباب منطقية وليست اعتباطا، فنحن لا نقدم يوما رواية من السنة النبوية أو من أهل البيت عليهم السلام على صريح القرآن، فالقرآن دوما مقدم عندنا، وكل الروايات تعرض على القرآن قبل البت بشأنها.
وتستمر الآية بالحديث عن عقر ناقة صالح عليه السلام فتقول إن الله ترك قوم صالح عليه السلام يتمتعون ثلاثة أيام قبل حلول العذاب عليهم، والحكمة من ذلك هو أنه أفسح المجال لمن لم يوافق على فعلتهم أن ينهاهم عن المنكر الذي أقدموا عليه، فهذه المهلة التي حددها الله هي لكي يتأكد من استشراء المنكر في كل المجتمع وأن الحجة قامت عليهم قبل أن يعذبهم ويأخذهم بفعلتهم.
مواضيع مشابهة
ليتفقهوا في الدين – آيات الأحكام – 157 – الآيات التي تأمر باتباع النبي صلى الله عليه وآله
أحاديث في كيفية شهادة أميرالمؤمنين (ع) ووصيّته وغسله والصلاة عليه ودفنه