ابتغاء غير دين الله – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ “آل عمران: 83”
تستوقفنا هذه الآية باستنكارها العميق: كيف يبتغي الإنسان دينًا غير دين الله؟ وهو المخلوق الناقص، المحتاج، الباحث عن الكمال؟ وهل يُطلب الكمال من غير مصدره؟!
الإنسان يبحث عن دين ليحل مشاكله
حين يسعى الإنسان نحو دين، فهو يطلب قانونًا شاملًا، ومصدرًا يُطمئن القلب والعقل، ويوفر له إجابات على أسئلته الوجودية. فكيف به يطلب ذلك من ناقص مثله؟ كيف يبتغي دينًا من صنع الإنسان، ويترك ما جاء من الكمال المطلق؟
حكاية العابد والإسكندر: من يملك الكمال؟
يروى أن الإسكندر المقدوني مرَّ يومًا بجيشه الجرار برجل عابد، غارق في صلاته وسط الصحراء. لم يلتفت العابد إلى هيبة الجيش، فأتى الإسكندر بنفسه يسأله: “أما خِفت من جيوشي؟” فأجابه العابد بثبات: “كنت أناجي من هو أكثر جنودًا منك.”
أُعجب الإسكندر بالحكمة، وعرض على العابد أن يكون مستشاره، فاشترط الأخير قائلًا: “أعدني بحياة لا موت معها، وصحة لا مرض معها، وسعادة لا حزن معها.”
أطرق الإسكندر خجلًا وقال: “لو كنت أقدر لفعلت ذلك لنفسي.”
فقال العابد: “أنا مع من يملك ذلك، فكيف أتبعك؟”
أعداء الدين.. من الخارج والداخل
بعض الناس يعلن صراحة رفضه لدين الله، مدعيًا أن الزمان تغيّر، وأن الإسلام لم يعد صالحًا لهذا العصر. هذا الصنف لا يؤمن إلا بالمادة، ويريد هدم الدين من خارجه.
لكن الأخطر هو من يدعي الانتماء للدين، ثم يسعى لتحريفه من الداخل. فهو يُلبس أفكاره ثوب الدين، ويغيّر المسار من حيث لا يُشعر. وكما قال الإمام الحسين عليه السلام:
“الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه ما درّت معايشهم، فإذا محصوا بالبلاء قلّ الديّانون.”
خطر أعداء الداخل
أبرز من يواجه سهام التشويه من الداخل هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، حجر الزاوية في بناء الإسلام، وصاحب السيف الذي رفع رايته. لكن الحاقدين لا يملكون الشجاعة لمحاربته صراحة، فيلجأون إلى الحيل، ومن أسخفها اتهام والده أبي طالب بالكفر!
ولو سلّمنا جدلًا – جدلًا فقط – بموت أبي طالب على الكفر، فمن من الصحابة لم يكن أبوه مشركًا؟! أليس خالد بن الوليد ابن الوليد بن المغيرة الذي ذمه القرآن؟ فلماذا التركيز على أبي طالب؟
الجواب واضح: الهدف ليس أبا طالب، بل تشويه صورة علي عليه السلام.
ولكن رغم القرون التي شُتم فيها أمير المؤمنين على منابر المسلمين، ورغم الروايات الملفقة، بقي نجم علي يزداد سطوعًا، وتاريخه يثبت في القلوب والعقول، لأنه مع الحق والحق معه.
“وله أسلم من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا”
أما شطر الآية الثاني، فقد اختلفت فيه التفاسير:
فقيل: إن أهل السماء – أي الملائكة – أسلموا طوعًا بعقلهم المحض، وأهل الأرض أسلموا كرها بقهر القدرة.
وقيل: إن كل موجود فقير بذاته، مفتقر إلى واجب الوجود، فإسلامه لله هو انقياده بفطرته وضعفه.
وقيل أيضًا: إن الناس في زمن النبي صلى الله عليه وآله أسلموا فريقًا عن اقتناع وطواعية، وفريقًا خوفًا من السيف، ولم يكونوا سواء في النوايا.
خلاصة
دين الله وحده هو الدين الكامل، لأنه صادر من الكامل المطلق. وابتغاء غيره، هو تضييع للوقت، وتكريس للجهل، وسقوط في حضن النقص.
فمن أراد دينًا يعصمه من الضياع، فليطلبه من الله، لا من صنيع البشر.