قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: المنبر العميد
آخر برامج من: الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

ازدواجية الشخصية – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله

قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾” البقرة: 204–205”

تشير هذه الآيات إلى ازدواجية الشخصية: صنع مظهرٍ حسنٍ باللسان، وباطنٍ يفيض عدوانًا وفسادًا. إنها حالة أشبه بالنفاق، فتظهر الطيبة وتُبطن الخبث، وتُسوَّق المحبة وتُمارَس الخيانة.

سبب نزول الآية:

ان الأخنس قائدًا لسريّة من 300 رجل يحولون دون خروج المشركين لقتال المسلمين.

التظاهر بالإسلام: أظهر إسلامه أمام النبي صلى الله عليه وآله وترك المدينة، ثم عاد فأحرق زرع المسلمين وقتل دوابَّهم.

حكم القرآن عليه: نزلت الآيات لتفضح سلوكَه المضاد لما بطن، وتربط بين مظهر القول ونتيجة الفعل.

خطر ازدواجية الشخصية على المجتمع

تصدُّع الثقة: من تعاملَ بكلامٍ طيبٍ ثم غدرَ إذا مالت الكفّة، لا يُؤتمن على كلمة ولا وعد.

الفساد الشامل: كما جاء في الآية، فإن صاحب الازدواجية “يسعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل”، فتتآكل الجماعات بفعل هذا النفاق.

عليّ عليه السلام وكشف النفاق

اعتمد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في القضاء على حيلة النفاق على حيلة الموقف المزدوج، فكان يختبر الأطراف بطرق بسيطة تكشف ما يبطنون.

على سبيل المثال:

تقسيم الولد: حين تنازعت امرأتان في ابن، أمر بقسمة الطفل حتى أبدت الأم الحقيقية رحمة الأمومة.

ميزان الحليب: لحسم نزاع حول أي طفل صبي وأي طفل بنت، استخدم العلم البسيط بأن لبن الأم الصبية أثقل.

من خلال هذه الحكمة، رفع صوت الحق، وكشف ازدواجية المتحاكمين دون دماء ولا هدر.

انعكاس الظاهرة عبر العصور

في صدر الإسلام: لم ينجُ من طعون النفاق سوى صفوة المؤمنين.

في العصور اللاحقة: إذ تُسَلَّم المناصب أحيانًا للمهرجين و”حاملي الشهادات” دون أهلياّت، فيفسدون ويهلكون الثروات والبشر.

علامة الازدواجية: كثرة الحلف بالله في صغائر الأمور، رغم أن الشرع نهى عن ذلك إلا في عِظَماته.

الدرس القرآني من الآية:

تُذكّرنا الآية بأن الجمال اللساني لا يكشف عن صدق القلوب، وأن معيار الصلاح هو سلوك الفعل لا ما يُقال فقط.

والتأصيل القرآني لخطورة ازدواجية الشخصية يُحذّرنا من:

التسرُّع بالثقة في المظاهر.

التعامل مع الناس بحذرٍ معقولٍ دون إفراط في الظن.

التسلّح بالأدلة والاختبارات في المحاكمات الاجتماعية.

خلاصة

إن ازدواجية الشخصية مرضٌ اجتماعيٌّ يؤكل ثمار العبادات والخيرات. والآيات القرآنية حذّرت من نفاق اللسان وفساد الفعل، وأن أعظم الأسلحة في كشفه هي العدل والحكمة والموازين الواضحة التي رسمها الله ورسوله.

فمن اتقى الفساد وأصلح النُّيات والأعمال، فقد اتبع هدى الكتاب وسنة النبي صلى الله عليه وآله.

مواضيع مشابهة

نور الهداية – 71

علامات النفاق