المرأة والأسرة – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات)
الحفيد يطلق على ابن الابن، والسبط يطلق على ابن الابن أيضا إضافة إلى ابن البنت، لكنه يطلق عادة على ابن البنت فصار المتبادر إلى الذهن عند ذكر السبط بأنه ابن البنت دون ابن الابن.
وتتحدث الآية عن الزواج وجعله، وإن جعله هنا إما جعل تشريعي أو جعل تكويني.
أما الجعل التشريعي فهو الحقوق والواجبات الزوجية، ففي الأسرة هناك حقوق للرجل على زوجته، كما أن للمرأة حقوقا على زوجها.
وإن الغاية الأساسية من الزواج هي إمداد المجتمع بالجيل والذرية إعمارا للأرض وحفاظا على النسل البشري.
فالزواج إذن هو عبارة عن العلاقة الشرعية المجعولة من قبل الله تعالى بين الرجل والمرأة.
أما الجعل التكويني فهو أن الله كيف كلا من الرجل والمرأة لأداء وظائفه في الأسرة وفي هذه الحياة، فالمرأة وظيفتها الحمل والرضاع، فتكيف لهذا الغرض جسديا ونفسيا وروحيا، كأن يخلق الله لها رحما يكون وعاء للجنين الذي سينمو فيه إلى أن يكون جاهزا للولادة، كما أهلها للرضاع ولإشباع حاجات الرجل وهذا من الجعل التكويني.
ومن هنا فإن دور المرأة في الأسرة والمجتمع هو من أهم الأدوار وأخطرها، وهو عبارة عن إعداد الجيل وتربيته، وإسعاد الرجل داخل البيت، والقيام بأعمال المنزل، ولذلك فإن المرأة ليست مجرد غريزة أو شهوة يشتهيها الرجل فيقضي وطره منها متى شاء، بل هي مخلوقة لأجل أهداف عديدة وخطيرة أهمها إعداد الجيل وتنشئته.
وقد أوصى النبي صلى الله عليه وآله أصحابه وأمته مرارا وتكرار بالمرأة وحث دائما على الاعتناء بها والرحمة بها وعدم ظلمها، ولشدة وصية الرسول صلى الله عليه وآله بالمرأة لم يجعل الشرع للرجل من مهرب من النفقة على زوجته، فالرجل المعسر الذي لا يملك مالا تسقط نفقته عن قرابته وأبويه في هذه الحالة، لكن نفقته لا تسقط بحال من الأحوال على امرأته وتبقى دينا في عنقه.
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على شدة الأهمية التي أولاها الإسلام بالمرأة وعظيم حرصه على الاعتناء بها وحمايتها من كل المخاطر الخارجية التي قد تعصف بها، فالرجل هو المسؤول الأول عن النفقة والعمل وتوفير احتياجات الأسرة، أما المرأة فهي غير مسؤولة عن ذلك بتاتا وينبغي أن يوفر لها كل ذلك.
كما أمرنا الشارع المقدس بالتريث وحسن الخلق مع العيال، فإن أكثر ما يعذب به المسلم في قبره هو سوء خلقه مع عياله، فلا يكاد يخلو بيت من المشاكل الزوجية وخلافات تحدث بين الفينة والأخرى بين الزوجين، لكن مع كل ذلك فالمأمور الأول بالتريث وعدم المسارعة إلى الغضب والعقاب في الأسرة هو الرجل لأنه المسؤول الأول عن أسرته، فعليه بحسن الخلق مع زوجته وعدم الانجرار إلى ما لا يحمد عقباه.
كما لم يشرع الإسلام الضرب أبدا كوسيلة لحل المشاكل الأسرية والزوجية، فالأصل في الحلول هو التريث والتسامح والنصح والإرشاد سواء للمرأة أو للأولاد، وإن ضرب الزوجة أمام الأولاد يشكل أثرا نفسيا خطيرا على الولد الذي يرى هذا المشهد، والضرب لم يشرع إلا في مواضع قليلة جدا وفي حالات خاصة وليس سوى الضرب الخفيف الذي لا يترك علامة ولا أثرا وهو بهدف الإرشاد وليس بدافع الانتقام والتشفي.
وقد ساهمت عدة عوامل تاريخية وثقافية واجتماعية وشرعية على العنف ضد المرأة وظاهرة العنف الأسري.
ومن تلك العوامل العامل الشرعي، والمقصود بذلك هو الاستفادة من بعض المرويات والنقول الواردة على لسان النبي وآله عليهم السلام التي يظهر منها الانتقاص من المرأة والتقليل من شأنها، وهي في الغالب إما أنها من الموضوعات أو ضعيف الحديث، وإما أن يكون الفهم سقيما لها.
ومن ذلك استناد الكثيرين إلى ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام إلى مقولته الشهيرة (إن النساء نواقص الإيمان نواقص الحظوظ نواقص العقول) واستدلوا بها على دنو مرتبة المرأة عن الرجل، والحال أن ذيل هذه الرواية يفسرها، فليس معنى نواقص الإيمان أنهن يولدن أقل إيمان من الرجل، فهناك من المؤمنات من فاق إيمانهن إيمان العديد من الرجال، لكن نقصان إيمانهن كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام هو لطروء العادة الشهرية عليهن فتسقط عنهن بعض التكاليف الشرعية ولذلك يحرمن من بعض الأجر والثواب خلال هذه الأيام المعدودة.
كما أن نقصان عقولهن ليس بمعنى أن عقلهن قاصر أو لا يستطعن التفكير، وكم لدينا من المفكرات والباحثات والعالمات اليوم ومنذ عصور خلت، لكن المقصود هو غلبة عاطفة المرأة على عقلها وذلك مرسوم بعناية من قبل البارئ عز وجل لرسم دور المرأة في الأسرة وعنايتها بالأطفال.