كبائر الإثم والفواحش – د. الشيح أحمد الوائلي رحمه الله
(الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم)
يفسر الفقهاء كبائر الإثم عادة بأنه ما ينتهي إلى الوعيد عليه بنار جهنم، وهناك العديد من الآيات التي تشير إلى ذلك، فعاقبة مرتكب الكبيرة هو النار إجمالا، وهناك تفصيلات في ذلك في كتب الفقه. ومن هذه الكبائر الظلم العظيم وما قارب الظلم في فداحته وقبحه.
وهناك صنفان من مرتكبي الكبائر، أولهما هو من يرتكب الكبائر بشكل خارج عن إرادته وليس بإرادته، كمن أصيب بمرض السادية، والشخص السادي هو الشخص الذي يتلذذ بعذاب الآخرين وسفك دمائهم وقتلهم، وإن ثبتت صحة هذا المرض وأنه مرض نفسي فعلا خارج عن الإرادة فإن الله لا يعاقب صاحبه لكونه خارجا عن إرادته، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ولكن له عقابا من نوع آخر.
ويشار هنا إلى قول فريق من المسلمين وهم من أتباع مذهب الجبرية أو المجبرة الذي يقولون بفرض الله الأعمال على عباده، بمعنى أن الله هو من خلق المعصية والإثم ويجبر عباده على ارتكابها لكنه في نفس الوقت يتوعدهم بالوعيد والعذاب، وهذا تناقض عجيب لا يمكن القبول به، وإنما هو ناشئ من بلاط الحكام الذين أرادوا وضع حجة لارتكابهم الكبائر والفواحش ما ظهر منها وما بطن وخلق تبرير ومسوغ شرعي لارتكاباتهم وفظائعهم.
ولكن في الغالب فإن حكام وسلاطين الجو عندما يحكمون فهم لا يعانون من تلك الأمراض النفسية لكنهم يظلمون الناس ظلما فاحشا لا يمكن تصوره.
ومن أولئك الحكام الظلمة الجائرين أبو جعفر المنصور الدوانيقي الذي كان معروفا بولعه بسفك الدم، وكان قصره وبيته محلا تضرب فيه الأعناق وتسيل فيه الدماء بشكل يومي، ولم يكن يشبع من سفك الدم وإهراقه.
وقد قامت سنة 145 للهجرة حركة معارضة في خراسان ضد الحكم العباسي، فأرسل المنصور جيشا لقمعها ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن سبعين ألف شخص وأسر بضعة آلاف آخرين!
إن هذا اللون من الظلم الفاحش لعباد الله ليس من الصورة الأولى من الظلم المرتكب خارج الإرادة -إن سلمنا بأن السادية مرض حقيقي تجعل صاحبها لا يتحكم بإرادته-
ومصير هذا اللون من الظلم الفاحش هو النار، فأولئك سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب.
وأمثال هؤلاء الطواغيت لا يتورعون عن الظلم وسفك دماء الأبرياء بحجة معارضتهم لهم، لأنهم كانوا يعتبرون أنفسهم خلفاء لله في الأرض.
وكان أول من نصب نفسه خليفة الله في أرضه معاوية بن أبي سفيان الذي قال عندما كان خليفة المسلمين: المال مال الله وأنا خليفة الله إن شئت أعطيت وإن شئت منعت.
بهذه البساطة ينصب الظلمة أنفسهم خلفاء على رقاب المسلمين عباد الله ويعبثون ببيت المال وبأموال المسلمين كيف يشاؤون مدعين بأنهم الأنسب والأكفأ لقيادة الأمة وسوقها إلى بر الأمان، ويبررون بذلك كل ظلمهم وفواحشهم وضلالهم البعيد.
ويقول أبو جعفر المنصور أن معاوية حصل على زياد بن أبيه وزياد كفاه مهماته، وعبد الملك بن مروان وقد كفاه حجاجه، وأما أنا فليس لي كافئ، في إشارة منه إلى أن لكل من أولئك الملوك والحكام ولاة كانوا يعملون بأمرهم ويكفونهم سفك الدم ووأد أي محاولة للمعارضة والثورة، في حين أنه كان بنفسه كافيا لأداء هذا الدور لما كان عليه من ولع بسفك الدم وإراقة دماء المسلمين ظلما وعدوانا.
ومن الكبائر يذكر الفقهاء الشرك والفرار من الزحف والظلم والغيبة وما إلى ذلك.
أما الفواحش فهي كل ما تفاحش وخرج عن الحدود الطبيعية والتي يحد مرتكبها، ومن أبرز تلك الفواحش الزنا الذي يعتبر من أشهر الفواحش والتي يحد مرتكبها على تفصيل في كتب الفقه.
وقد حرم الله الزنا لأنه يستهدف أقدس مؤسسة في المجتمع وهي مؤسسة الأسرة، فالزنا يدمر كيان الأسرة وبالتالي يدمر المجتمع والأعراض والأنساب.
وقد انتشرت فاحشة الزنا في أيامنا هذه أكثر من أي وقت مضى، ولو بحثنا عن جذور وأسباب هذه المشكلة لوجدنا أن الملام ليس فقط مرتكب الزنا وحده بل المجتمع الذي يعيش فيه، وذلك لأن هذا المجتمع تتوفر فيه جميع أسباب ومقومات الإقدام على مثل هذه الفواحش، من التعري والفسق والفجور والخمور والاختلاط بين الجنسين واستسهال المحرمات البسيطة كالملامسة والضحك والمزاح والنظرات المحرمة والحركات المريبة وما إلى ذلك، فكل ذلك مقدمات تقود إلى الزنا، فالزنا لا يمكن أن يحصل بدون هذه المقدمات، ونحن نوفر كل هذه المقدمات في مجتمعاتنا من خلال ما وصلنا إليه من انحدار ثم نشكو من فاحشة الزنا التي فضلا عن آثارها المدمرة على المجتمع وعلى صاحبه فهي تجلب الكوارث وموت الفجأة والأمراض.