أصل خلق الإنسان من تراب – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين)
عندما يتحدث القرآن الكريم عن أصل خلق الإنسان فهو يعبر في اتجاهين أحدهما يركز على خلق الإنسان من تراب أو طين، والاتجاه الآخر يتحدث عن خلقه من نطفة، فكيف يمكن الجمع بين هذين الاتجاهين؟
في الواقع فإن أصل خلق الإنسان الأول وهو آدم عليه السلام هو من تراب جمع من عدة نواح كما ورد في بعض الروايات، جمع من سهل وجبل وعذب وسبغ، ثم تكاثر البشر من نطفة آدم عليه السلام وحتى يوم القيامة. وبهذه الصورة يمكن الجمع بين حديث القرآن عن أصل خلق الإنسان من تراب وخلقه من نطفة.
ويقول القرطبي في تفسيره لآية (هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده) إنه ما من مولود إلا وذر على نطفته من تراب قبره، ولذلك ترى كل شخص يحن إلى تربة معينة هي التي مزجت بنطفته ويبقى يحن إليها إلى أن يدفن فيها، وقد ورد مثل هذا المعنى في بعض الروايات.
ويقول المفسرون في تفسير هذه الآية إن أصل خلق الإنسان هو تصوير الله له من ذلك التراب والطين ثم أفاض عليه الحياة.
وهناك خلاف بين العلماء والمفسرين حول الهيئة التي خلق الله عليها آدم عليه السلام، وهناك اتجاهان رئيسيان في الروايات الواردة عن أصل خلق آدم عليه السلام، الأول هو الروايات التقليدية التي لا تتحدث عن شكل آدم عليه وصورته وهيئته عند خلقه، أما القسم الثاني من الروايات وهو ما رواه مسلم والبخاري بشكل رئيسي عن أبي هريرة، ومنها الرواية الشهيرة في البخاري حول أصل خلق آدم عليه السلام التي تقول بأن الله خلق آدم على صورته طوله خمسون ذراعا وعرضه سبعة أذرع.
والضمير في الرواية عائد على الله، وهذا يعني بأن الله طوله خمسون ذراعا وعرضه سبعة أذرع -والعياذ بالله-، وهذا من التجسيم الواضح الذي لا يحتمل التأويل، ويورد العلماء والمفسرون هذه الرواية وشرحها بشكل طبيعي ويصرحون بذلك وكأن شيئا لم يكن، في حين أن التجسيم واضح متجسد فيها بشكل لا لبس فيه، ليأتي بعضهم بتأويلات مضحكة كقول بعضهم أن له عينا ليست كالعيون وله فم ليس كالأفواه وما شابه ذلك مما لا يقنع الجاهل البسيط.
ومن يأخذ بهذه الرواية وأشباهها فهو يجسم الله ويجعله جسما ويحدده بحد والله منزه عن الجسمية ولا حد له ولا أمد.
والعجيب أن هذه الرواية موجودة نصا دون أي تغيير في الفقرة السابعة والعشرين من الإصحاح الأول من إصحاحات التكوين في العهد القديم وهو كتاب اليهود، مما يعني أن رواية البخاري هذه هي من الإسرائيليات الواضحة والصريحة التي يمكن لأي متتبع وباحث أن يهتدي إليها، لكنك قلما تجد عقولا منصفة تروم الهداية وترجو صلاح الحال.
كما أن هذه الرواية تتعارض بشكل كامل مع الحفريات والاكتشافات التي وصلنا إليها اليوم والتي تؤكد دون أدنى مجال للشك أن الإنسان الأول لم يكن يختلف في طوله وحجمه عن الإنسان اليوم، والاختلاف في الأحجام هو كاختلاف الناس بين بعضهم اليوم بشبر أو أكثر بقليل، وهذا مثبت علميا وليس نظريا، مما يجعلنا نتيقن تماما بأن هذه الرواية هي من الإسرائيليات التي ينبغي على المنصف منا أن يضرب بها عرض الجدار.
كما أن الأدلة العلمية اليوم تشير إلى أن أصل خلق الإنسان يعود إلى فترة تقارب مليوني سنة، في حين أن روايات المذاهب الإسلامية تتحدث عن بضعة آلاف من السنين لا أكثر، في حين أنك تجد في الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام ما يوافق العلم اليوم وهي مما روي عن رئيس المذهب الإمام جعفر الصادق عليه السلام حيث تحدث عن وجود اثني عشر ألف آدم وفي رواية أخرى ألف ألف آدم قبل آدم عليه السلام، ونحن في آخر هذه الأوادم وآخذ هذه العوالم، وهذا يتسق تماما مع الاكتشافات العلمية الحديثة.
وفيما يتعلق بنظرية الأنواع لداروين أو ما يعرف بنظرية داروين أو النظرية الداروينية لأصل الأنواع فهي تبقى في حدود النظرية غير المثبتة علميا حتى الآن، فهي تفترض أن الإنسان تطور من هيئة القرد لمجرد شبه القرد بالإنسان وهذا لا يعد دليلا علميا كافيا لإثبات هذه النظرية، كما أن الإنسان لديه القدرة على التفكير والتحليل والاستيعاب وهي صفة مفقودة في غيره من الكائنات.
وعموما فإن هذه النظرية لو صحت فهي لا تعارض أصل الإسلام والدين فيما لو كانت خاضعة لإرادة الله، فلو شاء الله أن نتطور من دودة إلى حية إلى كائنات أخرى إلى أن وصلنا إلى ما وصلنا عليه من هيئة بشرية اليوم وكان ذلك كله بمشيئة الله فلا اعتراض على خلق الله ولا يسعنا إلا التسليم لبديع صنعه، أما الحديث عن الصدفة في كل ذلك والخروج عن الإرادة الإلهية فهو كلام مردود لا سبيل إلى إثباته، ونظرية الصدفة باتت واضحة البطلان لدى كل مطلع، ولا يحتاج الأمر إلى مزيد بيان.