نفي نسبة الأبناء لله تعالى – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
لطالما ترددت في مختلف الحضارات والمذاهب ادعاءات بأن لله ولد، سواء كان ذلك من خلال نسب ابن لله أو اعتقاد بأن الملائكة بنات الله. وقد ورد في القرآن الكريم تبيين لهذه المسألة في قوله تعالى:
“وقالوا اتخذ الله ولداً سبحانه بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون”
تأتي هذه الآية لتصحح المفاهيم الخاطئة التي انطلقت من تجارب وثقافات مختلفة، وتبيّن بجلاء أن الله تعالى متعالٍ عن كل نقصٍ أو تشبيهٍ بمخلوقاته.
أوجه الادعاء بنسبة الأبناء لله تعالى
ادعاءات اليهود والمسيحيين
اليهود: اعتمد بعض اليهود في معتقداتهم على نسب “عزير ابن الله”، وهو ما يُعد تفسيرًا خاطئًا لمفاهيم العلاقة بين الخالق والمخلوق.
المسيحيون: ينسب المسيحيون النبي عيسى بن مريم إلى الله، فيُقال إنه ابن الله. وهذا الاعتقاد يعد من أهم الفروق اللاهوتية بين الإسلام والمسيحية، إذ يؤكد الإسلام على وحدانية الله تعالى وتنزيهه عن النقص والتمثيل.
آراء مشركي العرب قبل الإسلام
النسب الأنثوي: من اللافت أن بعض مشركي العرب في العصر الجاهلي نسبت إلى الله ولداً يكون أنثى، وهو ما يتنافى مع المعتقد السائد في تلك الفترة الذي فضل المولود الذكر على الأنثى.
الصورة الاجتماعية السلبية: كان للعرب نظرة احتقارية تجاه الأنثى؛ حيث كانت تُعد مصدر مشاكل اجتماعية وفقاً لبعض التصورات، وقد انعكس ذلك على الطريقة التي كانوا يرون بها أي نسب إلهي للأنثى، الأمر الذي ينتج عنه تصور متناقض عن صفات الكمال الإلهي.
الواقع الاجتماعي وتناقضاته في نسب الأبناء لله تعالى
تفاوت تقدير الذكر والأنثى في المجتمعات
المعتقدات التقليدية: ارتكزت بعض المجتمعات القديمة على تقدير المولود الذكر، ونظر إليها باعتبارها رمزًا للقوة والهيبة، بينما كانت الأنثى تُعتبر عبئاً أو مصدر ضعف.
التوقعات الاجتماعية: انبثقت هذه التصورات من واقع اجتماعي صعب، حيث كان يُعتقد أن الأنثى قد تتعرض للأذى أو الإهمال، مما دفع بعض الآباء إلى الحذر من تربيتها، وهو أمر لا يستند إلى أي دليل شرعي أو علمي.
التناقض في نسب الأبناء لله تعالى
النسب الخاطئ على أساس عاطفي: بعض المشركين نسبوا إلى الله ولداً من الإناث، ربما لأنهم كانوا يرون في الأنثى رمزاً للحنان والرعاية، وهو ما يناقض الواقع الذي كان فيه المجتمع الجاهلي يمارس الاحتقار للأنثى.
انتقاد الموروث الاجتماعي: يستند هذا التصور إلى العادات والتقاليد الاجتماعية القديمة، حيث لم يكن هناك مكان لتمجيد الأنثى باعتبارها مصدر قوة وإشراقة للأسرة والمجتمع، بل كان يُنظر إليها باعتبارها ناقصة أو معيبة.
توضيح الحقائق الإلهية
تنزيه الله تعالى عن النقص والتشبيه
مبدأ التوحيد في الإسلام: أكد الإسلام على أن الله تعالى ليس كمثله شيء، ولا يمكن تصوره في صورة مولود أو منسوَّة. إن نسب الأبناء لله يُعد تحريفاً لما جاء به الإسلام من تنزيه وتوحيد.
الإجابة القرآنية: جاءت الآية الكريمة لتبين أن لله ما في السماوات والأرض، وأن كل شيء خلقه تحت أمره وبإرادته، فلا يجوز لأحد أن يشبه الله بالمخلوقات أو ينسب إليه ما هو من خلقه.
ضرورة التقيد بالأوامر والنواهي الإلهية
الامتثال لأوامر الله: سواء كانت الحرمات أو أي من جوانب الشريعة الأخرى، فإن المؤمن مدعو إلى احترام أوامر الله دون التشكيك فيها، والتخلي عن التصورات البشرية التي قد تحرف الحقائق الإلهية.
التواضع أمام حكمة الله: إن الإنسان بعقله المحدود عاجز عن إدراك كل حكمة من وراء خلق الله، ومن هنا تأتي أهمية التوكل على الله والرضا بقضائه دون اللجوء إلى التأويلات الخاطئة.
خاتمة
إن مفهوم نسب الأبناء لله تعالى هو مسألة ترتكز على عقيدة التوحيد وتنزيه الله عن كل نقص. فالقرآن الكريم يُصحح المفاهيم المغلوطة التي انتشرت بين بعض الجماعات، ويؤكد على أن الله تعالى هو الواحد الأحد، لا يشبهه شيء ولا يمكن نسب شيء إليه من خلقه. وبذلك يُعيد الإسلام تعريف العلاقة بين الخالق والمخلوق، داعيًا المؤمن إلى احترام أوامر الله والتخلي عن التصورات البشرية التي لا تمت للدين بصلة.