قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: المنبر العميد
آخر برامج من: الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

الأنصار ونظرية الشورى – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله

جاء في سورة الشورى قول الله تعالى: “والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون”

وهي من الآيات التي كثيراً ما استُدل بها في النقاشات حول نظام الحكم في الإسلام، إلا أن الغوص في سياقها وتاريخ نزولها يعطينا فهماً آخر، أكثر اتساقاً مع الواقع الذي كانت تعيشه الدعوة الإسلامية في بداياتها.

أولاً: سياق نزول الآية – مدح الأنصار لا التنظير السياسي

تكاد تتفق كتب التفسير على أن هذه الآية نزلت في جماعة الأنصار، أهل المدينة الذين استقبلوا النبي ﷺ وآووه ونصروه حين خذله قومه من قريش. وقد وصفهم الله بأنهم:

  • استجابوا لله ولدعوة نبيه،

  • وأقاموا الصلاة،

  • وكان أمرهم شورى بينهم،

  • وأنفقوا مما رزقهم الله.

وهذه الصفات لا يُقصد بها في السياق القرآني تنظيراً سياسياً، بل هي إشادة بمجتمع ناشئ مؤمن، متعاون، متضامن، يسود بين أفراده مبدأ الحوار والتشاور بدل الاستبداد والأنانية.

ثانياً: مكة والمدينة – الفرق في الاستجابة والموانع

1. مكة: بيئة مادية مغلقة

كان أهل مكة مرتبطين ارتباطاً شديداً بالمصالح الاقتصادية التي أوجدتها عبادة الأصنام:

  • وجود 364 صنماً شكّل مصدر دخل ضخم.

  • ممارسات كاستعباد المدين، وانتشار الربا.

  • قوة قريش الاجتماعية والاقتصادية التي رفضت أن تهتز أمام دعوة توحيدية تهدم بنيانهم القائم.

2. المدينة: مجتمع زراعي منفتح

على عكس ذلك، لم تكن المدينة مركزاً دينياً أو تجارياً، بل بيئة زراعية بسيطة:

  • أقل تشدداً في التقاليد الوثنية.

  • لا يعتمدون على الأصنام اقتصادياً.

  • معظمهم من الأوس والخزرج كانوا على استعداد لسماع دعوة الإصلاح والتوحيد.

ومن هنا نفهم أن الأنصار كانوا أكثر تأهيلاً نفسياً واجتماعياً لقبول دعوة الإسلام.

ثالثاً: الشورى عند الأنصار – قيمة أخلاقية لا نظام حكم

القرآن مدح الأنصار على كونهم يتشاورون ولا يستبدون بالرأي، وهذا لا يمكن عكسه على أنه نظام حكم سياسي محدد، فحتى المصطلح ذاته (الشورى) لم يُقدم كمنهج سياسي في الإسلام بالطريقة التي يتخيلها بعض المفكرين المتأخرين.

  • الشورى هنا خلق اجتماعي ومبدأ في العلاقات الإنسانية.

  • لم ترد الشورى في القرآن بوصفها آلية لإدارة الحكم بقدر ما وردت قيمة من قيم الجماعة المؤمنة.

  • تطبيق الخلفاء الراشدين – حتى في حادثة السقيفة – لم يكن شورىً مفتوحة كما يصفها البعض، بل كانت محصورة في نطاق ضيق وسريع.

رابعاً: الشورى بين الفكرة السياسية والتعيين الإلهي

من وجهة نظر بعض المدارس الإسلامية (وخاصة الشيعية)، فإن الحكم في الإسلام مبني على النص والتعيين، لا على الشورى:

  • النبي ﷺ نص على خليفته (بحسب هذا الاتجاه) كما في حديث الغدير.

  • لم يترك الأمر لاجتهاد الصحابة أو لعامة الناس.

  • ما جرى بعد وفاته كان واقعاً سياسياً اضطرارياً وليس نظرية دينية.

وعليه، فادعاء وجود نظرية شورى سياسية في الإسلام قد يكون إسقاطاً لاحقاً وليس مستنداً إلى أصل قرآني أو نبوي مباشر.

خاتمة:

آية الشورى جاءت في سياق مدح مجتمع الأنصار المؤمن، لا في سياق تأسيس نظام سياسي. الشورى فيها خلق رفيع وعلامة على نضج الجماعة المؤمنة لا على تأسيس دستور للحكم. أما فكرة الشورى كآلية حكم، فهي مسألة جدلية بين الفرق الإسلامية ولا يوجد إجماع قرآني أو نبوي صريح حولها، بل إن الوقائع التاريخية تميل إلى مفهوم التعيين لا الاختيار العام.

مواضيع مشابهة

الشموس الطالعة – 74- إمامة أمير المؤمنين (ع)

سورة الشورى