المال والبنون زينة الحياة – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(المال والبنون زينة الحياة الدنيا، والباقيات الصالحات خيرٌ عند ربك ثواباً وخيرٌ أملاً…) “سورة الكهف: الآية 46”
إذا تأملنا هذه الآية الكريمة نجد أنها تسلّط الضوء على زخارف الدنيا، وتُميّز بينها وبين القيم العليا التي تبقى عند الله. الله سبحانه لم يُنكر أن المال والبنين زينة، بل أثبت ذلك، لكنه قال: {زينة الحياة الدنيا}، أي أنّها مظهر جمالي دنيوي، لا أكثر. أما الباقي، فالذي يبقى هو العمل الصالح.
أولاً: لماذا سمى الله المال والبنين “زينة”؟
لأن المال يعطيك وجاهة اجتماعية، والبنون يمنحونك الامتداد والاستمرار، فيراهم الإنسان مصدر قوة وفخر، لكن القرآن يقول لك: انتبه، هذه زينة لا أكثر، وليست جوهر الحياة. الزينة قد تُعجبك، لكن لا تبني بيتك على أساسها، لأنها عرضة للزوال.
ثانياً: “والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً”
هنا المفارقة: المال والبنون زينة تزول، أما “الباقيات الصالحات”، أي الأعمال التي تُرضي الله من صدقة، صلاة، صبر، علم نافع، خلق حسن… فهي تبقى.
وهنا يظهر الفرق بين القيمة الحقيقية والقيمة المؤقتة.
فالمؤمن لا يُفتن بزينة المال أو الأولاد، بل يرى أنهم أمانة من الله يُختبر بها، ولهذا قال تعالى في موضع آخر:
(إنما أموالكم وأولادكم فتنة) “التغابن: 15” أي وسيلة اختبار، وليست غاية.
ثالثاً: لماذا قال “خير ثواباً وخير أملاً”؟
الثواب: يعني النتيجة الواقعية في الآخرة.
الأمل: يعني ما ترجوه وتنتظره.
فالله تعالى يقول: الباقيات الصالحات خير من حيث النتيجة الواقعية، وخير مما تأمله وترجوه.
فالذي يؤمّل في ماله أو ولده أن يدفع عنه بلاءً أو يشتري له رضا الله، قد يُخذل، لكن من يرجو الله بأعماله الصالحة، لن يُخيّب رجاؤه.
تطبيق عملي من سيرة أهل البيت (عليهم السلام)
لو تأملنا حياة سيدة نساء العالمين، فاطمة الزهراء (عليها السلام)، نراها نموذجًا للإنسان الذي لم تغرّه زينة المال والبنين، رغم أنها ابنة النبي الأكرم، وزوج أمير المؤمنين، وأم الحسن والحسين عليهم السلام.
عاشت حياة الزهد والرضا، وقدّمت “الباقيات الصالحات” على أي زينة دنيوية. حتى فدك، حينما طالبت بها، ما كانت تطلب مالًا، بل كانت تُدافع عن الحق وموقع الإمامة، وكان ذلك من “الباقيات الصالحات” التي خُلّدت.
خلاصة القول:
المال والبنون زينة، نعم… لكن لا ننسى أن الزينة لا تدوم، فلا نتعلّق بزينة زائلة وننسى جوهر البقاء.
فالنجعل لتا في هذه الدنيا “رصيدًا” عند الله، فإن المال قد يذهب، والولد قد يموت، لكن الصلاة تبقى، والعلم النافع يبقى، والصدق يبقى، وكل عمل صالح يبقى.
فهنيئًا لمن جعل من عمره جسراً إلى الباقيات الصالحات، لا إلى الزينة الزائلة.