تكريم الإسلام للمرأة – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
قال تعالى: ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَمَنْ يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ “سورة النور: 33”
الواقع الجاهلي للمرأة:
كانت المرأة في الجاهلية تُعامل معاملة تفتقر لأبسط مظاهر الكرامة الإنسانية. فكانت تُورث كما يُورث المال، وتُحتقر وتُهضم حقوقها، بل وتُدفن حية خشية العار. وكانت تُعتبر أداة لتفريغ الشهوة والإنجاب، دون اعتبار لمشاعرها أو حاجاتها الإنسانية.
وفي هذا السياق الجاهلي، نزلت الآية الكريمة لتنهى بشدة عن ممارسة منكرة كانت شائعة آنذاك، حيث كان بعض الرجال ــ ومنهم عبد الله بن أُبيّ بن سلول ــ يملكون إماءً ويُكرهونهن على البغاء لتحصيل المال أو لإنجاب أطفال يُستخدمون عبيدًا في المستقبل.
تكريم الإسلام للمرأة:
جاء الإسلام ليُحدث ثورة أخلاقية واجتماعية شاملة، وبدأ بتحرير الإنسان من كل أشكال العبودية والتمييز، وعلى رأسها اضطهاد المرأة. فقد أعلى الإسلام من شأن المرأة، ورفع عنها الظلم، وأعاد لها إنسانيتها وكرامتها.
ومن مظاهر تكريم الإسلام للمرأة:
المرأة شقيقة الرجل في الإنسانية والتكليف: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: “إنما النساء شقائق الرجال”، فالإسلام ساوى بين الجنسين في الأهلية والكرامة، وجعل لكل منهما دوره ومسؤوليته في المجتمع.
المرأة مكرّمة في كيانها الشخصي: لم يوجب الإسلام على المرأة العمل خارج بيتها، ولم يُلزمها بخدمة زوجها في البيت، بل جعل لها كامل الحرية في إدارة وقتها ضمن ما يرضي الله.
النفقة حق لها واجب على الرجل: الزوج مُلزم شرعًا بنفقة زوجته، حتى وإن كانت غنية، بل وتقدَّم نفقتها على نفقة الأبناء والأقارب، وهذا دليل على عناية الإسلام باحتياجاتها المادية والنفسية.
الجنة تحت أقدام الأمهات: في أسمى مظاهر التكريم، ربط الإسلام رضا الله برضا الأم، فقال النبي صلى الله عليه وآله: “الجنة تحت أقدام الأمهات”، وهذا تعبير رمزي بليغ عن مكانة المرأة، خصوصًا في دورها كأم.
محاربة الإسلام للبغاء والاتجار بالنساء:
لقد حرَّم الإسلام بشدة أي شكل من أشكال الإكراه الجنسي، وجعل من الإكراه على البغاء جريمة أخلاقية ودينية تستوجب العقوبة. وهذا ما تؤكده الآية الكريمة، حيث توعد الله الذين يُكرهون الفتيات على الفاحشة، ونبّه إلى أن من يُجبر على هذا الفعل فإن الله غفور رحيم بهن.
حلول الإسلام العملية لتحصين المجتمع:
من منطلق الحرص على كرامة الإنسان، دعا الإسلام إلى تسهيل الزواج، وتوفير البيئة الصالحة لتكوين الأسر، وشجع على اختيار الزوج الصالح والبنت الصالحة، لأن في ذلك تحصينًا للفرد والمجتمع من الانحراف الأخلاقي.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: “إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه”، وأوصى الآباء بحُسن اختيار الأزواج لبناتهم، لأن صلاح الأسرة أساس لصلاح المجتمع.
خلاصة القول:
إن الإسلام لم يكتفِ بتجريم الإكراه على الفاحشة، بل أسّس لمنظومة أخلاقية واجتماعية تكفل للمرأة صيانة كرامتها وإنسانيتها، وأعطاها من الحقوق ما يجعلها شريكًا أساسيًا في بناء الحضارة الإسلامية. وهذا التكريم نابع من فهم الإسلام العميق لطبيعة المرأة ودورها في المجتمع، باعتبارها إنسانًا كامل الأهلية والكرامة، لا تُباع ولا تُشترى، بل تُحترم وتُكرم وتُقدَّر.
