رأي الإسلام في تقليد الآباء – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
قال تعالى: ﴿قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ ۚ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾ “الزمر: 17”
قبل ظهور الإسلام، كان تقليد الآباء أو ما يُعرف بـِ “اتباع الأجداد” سلوكًا شائعًا بين العرب، أحيانًا دون مساءلة أو تدبّر. اليهودية، النصرانية، المجوسية، وخصوصًا الوثنية القريشية، سادت ديانات العرب بتوارثٍ عائلي. لكنّ الإسلام جاء ليرسخ مبدأ التحرّر الفكري والتدبّر العقلي في المسائل العقدية، بعيدًا عن التقليد الأعمى.
تفسير الآية الكريمة:
قُلْ: تأكيدٌ لوجوب تلاوة الألفاظ كما أنزلها الله بلا زيادة أو نقصان.
نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ: رفضٌ قاطع لقبول عباداتٍ بلا دليل عقلي أو قرآني.
لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ: تبرّؤٌ من الاتباع الأعمى لأي شريعةٍ موروثة.
قَدْ ضَلَلْتُ…: أسلوب بلاغي ذكيّ، يبيّن ضلال التقليد دون وصف مباشر للناس بالنفاق أو الكفر.
لماذا نبذ الإسلام “تقليد الآباء”؟
- العقل أساس في التشريع
الإسلام يرفع من شأن العقل:
النهي عن عبادة الأصنام: لما فيها من خلوٍّ عن العقل والحجة.
التمييذ بالبرهان: دعوتنا لا تقبل إلّا بما يوافق الفطرة السليمة والبرهان العقلي.
- تحرّر الفرد من القيود الموروثة
دروس التاريخ: أبواب الاجتهاد كانت مسدودة أمام الأجيال قبيل الإسلام.
الثورة الفكرية: القرآن حثّ على التدبّر:
أَلَمْ يَتَدَبَّرُوا الْقُرْآنَ…” “سورة محمد: 24”
- مقارعة مصطلح “ما وجدنا عليه آباءنا”
الآية تصدّ هذا الوعاء الفارغ: لأن اتباع الأجداد وحده “ضلال” لا رجعة فيه، إلا بتحكيم العقل والوحي.
أثر نبذ التقليد في بناء مجتمعٍ واعٍ
- صحوة فكرية
مواجهة الموروثات التي تخالف العقل
إرساء ثقافة السؤال والبحث
- وحدة المعتقد
ابتعاد عن الدين العشائري
قبول الشريعة القائمة على الدليل لا على النسب
- تطوير التشريع
مرونة الإسلام: لا يُقنّن على تفاصيلٍ موروثة
تفويض الاجتهاد: فتح الباب لعلماء الأمة لبناء الفقه المعاصر
مظاهر الجاهلية في العصر الحالي
مهر المرأة: لم يعد “عِوض بضع” ولا حقًّا للآباء، بل حقٌ شخصيٌّ للزوجة.
الميراث: لم يُترك للتوارث العشائري، بل نُصّصت نسبة محددة لكل وارث.
الطعن في نصوص الدين: يُردّ الموروث المنافي للكتاب والعقل—مثل الروايات الموضوعة—بأدلةٍ قرآنيةٍ صريحة.
خاتمة
لقد رسم القرآن الكريم في هذه الآية منهجًا واضحًا: لا عرفًا يعلو على الدليل، ولا موروثًا يغني عن العقل. فإذا كان اتباع الآباء أوجد ضلالًا في الجاهلية، فإن تبنّي المنهج القرآني هو سبيل الهداية والرشد.
مواضيع مشابهة
المنبر العميد – 313 – تقليد الآباء واتباع الأهواء
معرفة النفس