منزلة سيد الشهداء ع – د. الشيخ احمد الوائلي رحمه الله
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ﴾
الشهيد ليس مجرد إنسان فقد حياته في سبيل قضية، بل هو روح سمت فوق حب الدنيا، وجسد بذل لله أغلى ما يملك، ونفس باعها لله بثمن الجنة. في الإسلام، الشهداء يحتلون منزلة عظيمة لا يضاهيها شرف، فقد جمعوا بين الإيمان الصادق، والتضحية المطلقة، والنور الأبدي في الآخرة.
تكريم الله للشهداء
كرم الله تعالى الشهداء تكريمًا مضاعفًا:
في الحياة الدنيا – جعل لهم محبة خاصة في قلوب الناس، وهيبة في نفوس المؤمنين، وذكرًا عطرًا يخلد عبر الأجيال.
في الآخرة – منحهم منزلة رفيعة في مقامات الجنة، وجعلهم في مصاف الأنبياء والصديقين.
وقد ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله قوله: “ما من أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا، وأن له ما على الأرض من شيء، غير الشهيد، فإنه يتمنى أن يرجع فيقتل عشر مرات، لما يرى من الكرامة”.
وهذا الحديث يعكس عظمة ما يناله الشهيد من مقام، حتى يتمنى لو يكرر التضحية مرارًا.
سيد الشهداء الحسين عليه السلام وزيارة الأربعين
في ذكرى الأربعين، تتوجه القلوب والعقول إلى سيد شباب أهل الجنة، الإمام الحسين عليه السلام، الذي جسد أسمى معاني التضحية والوفاء للدين.
وزيارة الأربعين ليست مجرد مناسبة دينية، بل هي حركة إيمانية عالمية تعكس ارتباط الأمة بقيم العدالة والحرية التي نهض من أجلها الحسين عليه السلام.
التأصيل التاريخي لزيارة الأربعين
اختلف المؤرخون في مدة مسير سبايا آل البيت عليهم السلام من كربلاء إلى الكوفة ثم إلى الشام وعودتهم إلى كربلاء:
هناك من يرى أن الرحلة استغرقت أربعين يومًا فقط من يوم عاشوراء حتى عودتهم لزيارة القبور الطاهرة.
وآخرون يرون أنها استغرقت أكثر من سنة.
لكن الروايات المعتبرة تشير إلى أن المسير تم خلال أربعين يومًا، وهو ما يفسر الأثر السريع الذي أحدثته الفاجعة في الأمة، إذ بدأ الناس بالتحرك ضد الحكم الأموي، وأدرك بنو أمية خطورة ما اقترفوه بحق الحسين عليه السلام وأهل بيته، فسعوا لتدارك الموقف بسرعة.
مواقف يزيد ومحاولة التبرؤ من الجريمة
تذكر بعض المصادر أن يزيد بن معاوية حاول التبرؤ من دم الحسين عليه السلام بعد أن فضحت الجريمة واهتزت الأمة، فقال: “لعن الله ابن مرجانة، كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين”.
لكن الحقيقة التاريخية تؤكد أن عبيد الله بن زياد لم يكن ليجرؤ على قتل الإمام الحسين عليه السلام لولا الأمر المباشر من يزيد نفسه.
موضع دفن الرأس الشريف
من المسائل التي أثارت جدلاً بين المؤرخين قضية موضع دفن رأس الإمام الحسين عليه السلام:
قيل إنه دفن في دمشق بمسجد بني أمية.
وقيل في مصر.
وقيل في المدينة المنورة.
لكن الرواية الأصح، بحسب عدد من المصادر، هي أن رأس الإمام الحسين عليه السلام عاد مع بقية الرؤوس إلى كربلاء، ودفن مع الجسد الطاهر وأجساد أصحابه.
خاتمة
زيارة الأربعين تمثل عهدًا متجددًا مع الإمام الحسين عليه السلام، وتجديدًا للبيعة على المضي في طريق الحق الذي رسمه بدمه. والشهداء، وعلى رأسهم سيد الشهداء، يظلون منارات هداية تضيء دروب الأحرار عبر العصور، وتذكرنا بأن التضحية في سبيل الله لا تضيع أبدًا، وأن النور الذي منحهم الله إياه باقٍ إلى أبد الآبدين.