عقيدتنا في النبي الأكرم ص – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى ۚ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۗ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَوْا ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ “سورة يوسف: 109”
تفسير الآية الكريمة
الله سبحانه وتعالى يخاطب الإنسان بلغة الفطرة والعقل والمنطق. فمشكلة المعاندين للنبي محمد (صلى الله عليه وآله) أنهم كانوا يستكثرون أن يكون الرسول بشرًا مثلهم. كانوا يقولون كما نقل القرآن: “ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق”، وكأن النبي لا بد أن يكون مخلوقًا غريبًا، فوق الطبيعة البشرية.
لكن الوحي الإلهي ردّ عليهم بمنطق التأريخ والعقل: نحن لم نرسل من قبلك يا محمد إلا رجالًا. وليسوا ملائكة، ولا مخلوقات أسطورية. رجال من أهل القرى – أي من البيئة الاجتماعية المعروفة، ممن يعرفهم الناس، وممن عاشوا واقع الناس، وتألموا وتأملوا وواجهوا الحياة بتحدياتها.
“من أهل القرى” – دلالة الاختيار
ما قال من “أهل البادية” أو “من أطراف الأرض”، بل قال “من أهل القرى”، لأن القرى (المدن في ذلك الزمان) كانت مراكز الحضارة، ومراكز التفاعل الاجتماعي والفكري، حيث يمكن أن يظهر أثر الرسالة ويتسع.
فالنبي لا يُختار من مكان منعزل أو بدائي، بل من حيث يتفاعل مع الناس، ويبلغ الرسالة بأوسع مدى.
الاعتبار من الأمم السابقة
ثم ينتقل القرآن إلى ضرب المثل التاريخي:
﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ – إن القرآن لا يدعو إلى الإيمان الأعمى، وإنما إلى الإيمان المبني على النظر والتأمل في السنن التاريخية.
“أفلم يسيروا؟” يعني: هل عميت عليهم التجارب؟ ألم يروا آثار الأقوام التي كذبت الرسل، مثل عاد وثمود، وماذا حلّ بهم؟ فهل يُعقل أن يُكرروا نفس الأخطاء؟
ولذلك يختم الآية بالتوبيخ العقلي:
﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ – دعوة لاستخدام العقل لا في الحسابات فقط، بل في التاريخ، والقيم، والمصير.
دار الآخرة خير للذين اتقوا
ثم ينتقل القرآن إلى النتيجة العملية الإيمانية: ﴿وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَوْا﴾
الدنيا لا يُقاس بها النجاح، بل النجاح الحقيقي في الآخرة. و”دار الآخرة” ليست وعدًا بالغيب فقط، بل هي مقياس للحكمة والعدل في الكون.
من يعمل ويتقي، فله نصيبٌ عادل عند الله، وهذا هو الضمان الحقيقي للكرامة الإنسانية.
خاتمة:
إذا أردت أن تفهم دينك، فأعمل عقلك، واقرأ التاريخ، وارجع إلى القرآن. لا يُراد منك أن تعيش الخرافة أو الأسطورة، بل أن تعيش الحقيقة. الحقيقة أن الأنبياء بشر، يتألمون، ويحملون الرسالة، ويُواجهون. والحقيقة أن من كذّبهم دُمِّر، ومن اتبعهم ارتقى. فافتح قلبك وعقلك، فهذه الرسالة ما جاءت إلا لتُحرّرك، وتعيدك إلى موقعك الطبيعي في خلافة الله على الأرض.