قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: المنبر العميد
آخر برامج من: الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

موقف القرآن من المعاندين – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله

﴿وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ﴾ “الأنعام: 111”

ما زالت مدرسة أهل البيت عليهم السلام، التي تمثل الامتداد الحقيقي لخط النبوة، تتعرض منذ القرون الأولى وحتى يومنا هذا إلى حملات تشويه وتحريف وافتراء.

كم من عقيدة نسبت إليهم باطلًا؟ وكم من فقهٍ قُدِّم على أنه غلو؟

يُهاجمون في أصل التوحيد أحيانًا، وفي اتهامهم بالقول بتحريف القرآن. بل ويدّعى عليهم القول بتحريف القرآن، أو تأليه الأئمة، أو غير ذلك من الشُبَه التي لا وجود لها إلا في عقول من جهل أو تعمّد الكذب.

وليس من الغريب أن تُشنّ هذه الحملات، فقد تعرض الأنبياء أنفسهم لمثلها، وسُخر من دعواتهم، وطُعن في معاجزهم، وطُلب منهم المستحيل ليُؤمن بهم الناس. ومن هنا تبدأ الآية المباركة.

 

أسباب النزول:

ورد أن جماعة من كفار قريش، وعلى رأسهم عبد الله بن أبي أمية والمطعم بن عدي، قالوا للنبي صلى الله عليه وآله:

“لن نؤمن بك حتى تشق لنا الأرض ينبوعًا، أو تأتي بالله والملائكة قُبُلاً، أو تُحيي لنا موتانا، أو ترقى في السماء ونراها، ولن نصدقك حتى تفعل كل ذلك أمامنا”.

فنزلت هذه الآية تردّ على تعنتهم، وتوضح أن المشكلة ليست في قلة البراهين، بل في الجهل والهوى، وفي كونهم لا يريدون الحق أصلًا، ولو جاءت المعجزة بكل ألوانها.

 

شرح وتحليل الآية:

﴿وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ﴾ هؤلاء يطلبون نزول الملائكة، لا لطلب الهداية، بل لمجرد التحدي والتكذيب.

لكن القرآن يقرر: حتى لو استجابت السماء لهذا الطلب، لن يُؤمنوا.

لماذا؟ لأن قلوبهم مغلقة، لا تبحث عن الحق بل عن العناد.

﴿وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى﴾ وحتى لو رجع الأموات ليحدثوهم، ويؤكدوا لهم صدق النبوة، فلن يتغير شيء.

المشكلة ليست في نقص الأدلة، بل في النفس التي لا تريد أن ترى، والعقل الذي لا يريد أن يُسلِّم.

﴿وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً﴾ “قُبُلاً” أي مواجهة، عيانًا، أمام أعينهم، يعني حتى لو اجتمع الكون كله، وأدركوا المعجزة بكل حواسهم، فلن يُؤمنوا، إلا أن يشاء الله.

وهذا لا يعني الجبر، بل أن الهداية بيد الله لمن طلبها بصدق، ومن أعرض، فلن تنفعه الآيات مهما عظمت، لأن الله لا يهدي القوم الفاسقين.

﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ﴾ الخاتمة تلخّص المشكلة: الجهل، فليس السبب عقلًا نقيًا رفض الحجّة، بل هوى الجهل الذي زَيَّن لهم الباطل.

وهذا هو حال من يهاجم مدرسة أهل البيت دون علم بكتبها، أو اطلاع على علومها، أو مناقشة علمائها، فتراه يردد ما سمع، ويجعل من الجهل راية، ومن الظنِّ دينًا.

 

دروس وعبر من الآية الكريمة:

المعجزة لا تُبدل القلوب ما لم تكن مهيأة للهداية

القرآن يُحذِّر من طلب الآيات من باب الاستكبار، لا من باب البحث عن اليقين.

الجهل أخطر من الكفر، لأن الكافر الصادق مع نفسه قد يُؤمن إذا سمع الحجة، أما الجاهل المغرور فلا يُصغي، ولا يعترف بجهله.

الهداية عطية من الله لمن يطلبها بإخلاص، فلا ينالها من يُكابر، بل من يُسلِّم لله قلبه قبل لسانه.

تشابهت القلوب عبر العصور، فما قيل لنبينا صلى الله عليه وآله من تشكيك وتعنت، يُقال اليوم لأتباع الحق، ولاسيما لمدرسة أهل البيت عليهم السلام.

الرد العلمي خير من الجدال العاطفي، فالقرآن لم يرد على طلباتهم بسخرية، بل بالبرهان، وهذا ما يجب أن يفعله من يتعرض لهجوم أو افتراء.

 

وفي الختام نقول:

الهجوم على الحق ليس دليلاً على ضعفه، بل هو دليل على قوته، لأن الضعيف لا يُحارَب.

ولو شاء الله لأظهر لكل معاند ما يُلجمه، لكنه ترك الباب مفتوحًا لمن أراد الهداية، واختبر عباده بالنية لا بالمظاهر.

فمن رام الحق، وطلبه بإخلاص، هداه الله إليه.

ومن آثر الجهل، وحمل لواء التعصب، فلن تنفعه لا الملائكة، ولا الموتى، ولا الكون كله إن اجتمع عليه.

 

مواضيع مشابهة

العجب بالذات والعجب بالعمل