قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: المنبر العميد
آخر برامج من: الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

نبي الله ذو الكفل ع – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله

عندما نتأمل في قصص الأنبياء التي وردت في القرآن الكريم، ندرك أنها لم تُروَ لمجرد السرد التاريخي، بل لتكون مصدرًا للهداية، ودروسًا في الثبات واليقين، ومواقف في مواجهة الأزمات. ومن بين هذه الشخصيات النورانية يبرز نبي الله ذو الكفل عليه السلام، الذي ذُكر في كتاب الله مع جملة من الأخيار، مشيرًا إلى دوره الرسالي وتاريخه الجهادي في نصرة الحق ورفع راية الدين.

وتأتي قصته متشابكة مع مشهد قرآني مهيب، يصور قوماً هربوا من الموت، فأدركهم الموت، ثم أعادهم الله للحياة، ليكون المشهد عبرة خالدة عن التوكل، وحقيقة المصير، ومعنى أن تكون مؤمنًا في وقت تتصارع فيه المصلحة مع العقيدة.

من هو ذو الكفل عليه السلام؟

ذو الكفل عليه السلام هو أحد الأنبياء الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم ضمن سياق المدح والثناء، حيث قال تعالى: ﴿وَإِسْمَاعِيلَ وَيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنَ الْأَخْيَارِ﴾ [ص: 48].

وقد سُمّي “ذو الكفل” لأنه – كما يُروى – تكفّل بأمر سبعين نبيًا من أنبياء بني إسرائيل، فآواهم وساندهم وحماهم من بطش بني قومهم، خاصة أن بني إسرائيل كانوا من أكثر الأمم تطاولًا على أنبيائهم، حتى أنهم قتلوا منهم العدد الكثير دون وازع من ضمير أو دين، كما يشير القرآن الكريم في عدة مواضع: ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾.

القصة المرتبطة بذو الكفل عليه السلام: الهروب من الموت

ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ﴾ [البقرة: 243].

وقد نُسبت هذه القصة – بحسب بعض المفسرين – إلى نبي الله ذو الكفل عليه السلام، حيث أنه دعا قومه إلى الجهاد في سبيل الله، لكنهم رفضوا بذريعة وجود وباء (كالطاعون) في أرض المعركة، فقالوا له: “نخاف الموت!”، فكان خوفهم من الموت سببًا لهلاكهم الحقيقي، فأماتهم الله فترةً من الزمن، ثم أحياهم معجزةً ودرسًا، ليعلموا أن الهروب من قدر الله لا يجلب إلا الهلاك، وأن الحياة والموت بيد الله وحده.

تفسير آخر للقصة: موقف فكري معاصر

يذهب بعض المفسرين، ومنهم الشيخ محمد عبده، إلى تفسير رمزي لهذه الآية، فيرى أن القصة تمثّل قومًا هربوا من مواجهة الطغيان والظلم، واختاروا السلامة الجسدية على حساب الكرامة والحق، فخرجوا من أوطانهم لاجئين، فماتوا غربةً وعارًا، ولا تُبعث فيهم الحياة من جديد إلا إذا عادوا إلى ساحات المواجهة واستعادوا عزيمتهم وهويتهم.

الدرس المستفاد من قصة ذو الكفل وقومه

الآية الكريمة ترسّخ مبدأ التوكل على الله وعدم الخوف من الموت إذا كان في سبيل الله. فالموت ليس شبحًا يمكن الهروب منه، بل هو قدر مقدور لا يتغير بتغير الأحوال.

وهذا ما أكّد عليه أمير المؤمنين علي عليه السلام، الذي كان يُضرب به المثل في الإقدام والثبات، ولم يكن يخشى الموت في ميادين القتال لأنه يعلم يقينًا أن الأجل لا يتقدم ولا يتأخر، كما في قوله: “لو أن ابن آدم فرّ من رزقه كما يفرّ من الموت، لأدركه رزقه كما يدركه الموت”.

المقارنة بين الإيمان الحقيقي والضعف النفسي

ذو الكفل عليه السلام جسّد شخصية النبي القائد الذي لا يساوم على الحق، وواجه قومًا ركنت نفوسهم إلى الحياة المادية، وضعف يقينهم بالله تعالى، فكان لا بد من درس عملي يعيدهم إلى رشدهم: أن الموت ليس شرًا إذا كان في سبيل الله، بل هو طريق الحياة الحقيقية.

خاتمة: الخوف من الموت لا يمنع وقوعه، واليقين بالله هو الحياة

إن قصة نبي الله ذو الكفل عليه السلام ليست مجرد حدث في صفحات التاريخ، بل هي درسٌ خالدٌ للأجيال. فالذين يخشون الموت ويترددون في قول الحق أو نصرة المظلومين، غالبًا ما يقعون في الهلاك الأكبر، وهو موت المبادئ والضمير.

أما المؤمن الحق، فهو من يعلم أن كل شيء بيد الله، وأن الوقوف في وجه الباطل مع اليقين بالله هو الطريق إلى الكرامة، والخلود، ورضا الله عز وجل.

مواضيع مشابهة

تأملات قرآنية – 92- محطات من حياة نبي الله يونس ع

ذا الكفل ومقام الصابرين