قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: المنبر العميد
آخر برامج من: الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

أنواع الظلم في ضوء القرآن – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله

قال تعالى: (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم) [الصافات: 22-23]

تُسلّط هذه الآية الكريمة الضوء على صنف من الناس في يوم القيامة يُحشرون بسبب صفة جامعة هي: الظلم. إلا أن الآية لم توضح نوع الظلم تحديداً، مما فتح الباب لاجتهادات المفسرين حول أنواع الظلم المقصود.

أولًا: ظلم النفس – أخطر أنواع الظلم

ذهب بعض المفسرين إلى أن الظلم في هذه الآية يشير إلى ظلم النفس، وهو أحد أكثر أنواع الظلم شيوعًا وخفاءً في آنٍ واحد. وهو لا يقتصر على المعاصي فحسب، بل يشمل:

حجب النفس عن المعرفة: حينما يُمنع الإنسان من الاطلاع على آراء الآخرين بحجة الحفاظ على عقيدته، فإن ذلك ظلم مزدوج: ظلم للعقل بحرمانه من التمييز. ظلم للحقيقة بمنعها من الوصول إلى القلب.

وما أكثر الطوائف التي تبني وجودها على عزلة فكرية تامة، فتخشى مناقشة العقائد الأخرى خشية انحراف أتباعها، في حين أن العقيدة المتينة لا تخاف البحث والمواجهة، لأنها تعتمد على دليل وعقل وبرهان.

التكالب على الدنيا: من أبرز صور ظلم النفس أن يجعل الإنسان همه الأكبر جمع المال بأي وسيلة، ولو أراق ماء وجهه أو ذلّ نفسه. فهذا يبيع كرامته ويهدر إنسانيته لأجل عرض زائل.

ثانيًا: ظلم الآخرين – مراتب وأشدها خطورة

يرى فريق آخر من المفسرين أن الظلم المقصود في الآية هو ظلم العباد، وله صورٌ متعددة:

أشدّها: ظلم الضعفاء

حين يظلم إنسانٌ شخصًا لا يمكنه ردّ الظلم أو الدفاع عن نفسه، فإن ذلك الظلم يصعد مباشرة إلى السماء، ويكون لصاحبه خصومة مع الله يوم القيامة، كما جاء في الحديث القدسي: “اتقوا دعوة المظلوم، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب.”

أنواع أخرى من الظلم:

الغش في المعاملات.

الظلم في الحكم.

التعدي على حقوق الآخرين ولو بكلمة.

وكل ذلك يدخل في سياق الظلم الذي قد لا يُغتفر إذا لم يُرجَع الحق إلى أهله.

الخاتمة: الظلم طريق إلى الجحيم

القرآن الكريم استخدم في هذه الآية تعبيرًا مرعبًا: “فاهدوهم إلى صراط الجحيم”

والهداية هنا ليست هداية خير، بل هداية قسْرية نحو العذاب، أي خذوهم إلى الجحيم لأنهم ظلموا أنفسهم أو ظلموا غيرهم، ولم يتوبوا ولم يعيدوا الحقوق إلى أصحابها.

والعدل في القرآن ليس مجرد فضيلة، بل هو أساس الدين، والظلم ظلمٌ للنفس قبل أن يكون للآخر، وكل من لم يُصلح علاقته مع نفسه أو مع الناس سيقف أمام عدالة لا ترحم، يوم لا ينفع مالٌ ولا جاه.

مواضيع مشابهة

لمن كان له قلب -81- أنواع الظلم

أحاديث في الظلم وأنواعه ومظالم العباد