كيفية التعامل مع المنافقين – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
يُعدّ النفاق من أخطر الأمراض الاجتماعية والدينية التي واجهت المجتمع الإسلامي منذ نشأته، ولا تزال آثاره ممتدة حتى يومنا هذا.
وقد بيّن القرآن الكريم بوضوح كيفية التعامل مع هذه الفئة التي تُظهر الإيمان وتُبطن الكفر، وأشار إلى خصوصية العلاقة بينهم وبين النبي صلى الله عليه وآله، بل وأكد على أن التهاون في كشفهم والتعامل معهم بشكل غير حازم قد يُضعف الأمة من الداخل.
ومن أوضح الآيات في ذلك قوله تعالى: ﴿وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [التوبة: 84].
من هم المنافقون؟ وكيف كان خطرهم؟
المنافق هو من يُظهر الإيمان ويبطن الكفر، ويعيش وسط المسلمين ويتعامل معهم ظاهرًا على أساس الدين، لكنه في الباطن يسعى لهدم القيم وزعزعة الصف الداخلي.
وقد كان للمنافقين في صدر الإسلام وجود فعلي وملموس؛ بل وصل الحال أن يكون في البيت الواحد أبٌ منافق وابنٌ مؤمن أو العكس، مما استدعى من الشريعة سنّ ضوابط واضحة في التعامل معهم على الصعيدين الفردي والاجتماعي.
موقف النبي من عبد الله بن أبي بن سلول
تُعدّ قصة عبد الله بن أبي بن سلول، رأس النفاق في المدينة، نموذجًا حيًا لفهم الآية موضوع البحث.
فقد وردت روايات كثيرة تفيد بأن النبي صلى الله عليه وآله أراد أن يصلي عليه بعد موته، فجاء عمر بن الخطاب واعترض قائلاً: “أتُصلي على منافق؟”، فكان ردّ النبي صلى الله عليه وآله: “إن الله خيرني، وسأزيد على السبعين”، فنزلت الآية لتمنعه: (وَلا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم).
لكن هل هذه الرواية صحيحة؟
إن هذه الرواية غير متماسكة لأسباب عدّة:
أن غزوة تبوك التي نزلت فيها الآية كانت في السنة الثامنة للهجرة، أما وفاة ابن سلول فكانت في التاسعة.
أن النبي صلى الله عليه وآله، وهو أفصح العرب وأعلمهم بلسان القرآن، لا يمكن أن يُخطئ في فهم معنى (أو) الواردة في الآية، والتي تدل على التسوية لا التخيير.
المعنى الصحيح للآية
تدل الآية على أن المنافقين لا تجوز عليهم صلاة الميت ولا الدعاء بالرحمة، لأنهم ماتوا على الكفر والنفاق، والله تعالى لا يغفر لمن ختم حياته بهذه الحالة، فمهما فعل النبي صلى الله عليه وآله معهم فإن ذلك لا يُغير من مصيرهم شيئًا.
أساليب التعامل مع المنافقين:
من خلال النصوص القرآنية والهدي النبوي، نستخلص أهم أساليب التعامل مع المنافقين:
الكشف والتمييز: كما في قوله تعالى: (لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ).
عدم التزكية أو الثناء عليهم بعد الوفاة.
عدم المشاركة في جنائزهم وصلواتهم.
فضح نفاقهم إذا ترتب على ذلك مفسدة على الدين والمجتمع.
الحذر من اختراقهم لصفوف القيادة والمسؤولية.
وفي الختام:
لقد رسم القرآن الكريم منهجًا دقيقًا في التعامل مع المنافقين يوازن بين العدل الإلهي ومصلحة الأمة. فليس كل من يُظهر الإسلام يُعامل معاملة المؤمنين، بل لا بد من الحذر والتبصر، لأن خطر النفاق خفي لكنه مدمر، وتاريخ الإسلام مليء بالشواهد التي تؤكد أن سقوط الأمم يبدأ من الداخل لا من الخارج.