الوقاية من الزنا في الإسلام – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ).
الزنا من كبائر الذنوب التي تهدم بناء المجتمع والأسرة، وتؤدي إلى ضياع القيم، ولهذا عالج الإسلام هذه الجريمة من جهتين: الوقاية قبل الوقوع، والعقوبة بعد الوقوع. فكما أن العلاج ضروري، فإن الوقاية أهم وأسمى لأنها تحمي الإنسان والمجتمع من السقوط في هذا الانحراف.
مفهوم الوقاية من الزنا:
الوقاية في الإسلام ليست مجرد منع، بل هي تربية روحية وسلوكية تحفظ الفطرة وتسد منافذ الانحراف. فجاء القرآن ليؤسس مجتمع العفة والطهارة، فبدأ بالأسرة وجعلها نواة الأخلاق. قال تعالى:
(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ).
فالآية تأمر بحفظ الفروج وصونها عن الحرام، لأن الزنا لا يصيب فردًا فحسب، بل يفتك بالأسرة كلها. ومن هنا قال النبي صلى الله عليه وآله: «من زنى زُني به»، أي أن من اعتدى على عرض غيره، عوقب بمثل ما فعل، في نفسه أو في أهله.
الإسلام أسرة واحدة وروابطه أخلاقية
من عظمة الإسلام أنه وحّد الإنسانية تحت رابطة الأخوة: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى…).
وجعل المسلمين إخوة في الدين: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ).
فالمؤمن لا يمكن أن يعتدي على عرض أخيه أو على حرمته، لأن الإيمان الحقيقي يردعه عن ذلك، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله:
(لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن).
أي أن لحظة ارتكاب الفاحشة، يخرج الإيمان من قلبه مؤقتًا حتى يتوب ويرجع.
الأساليب الوقائية في الإسلام للحد من الزنا:
- الحد من الاختلاط غير المشروع
من وسائل الوقاية التي وضعها الإسلام تقنين العلاقات بين الجنسين، فلا يكون اختلاط إلا في حدود الضرورة وبآداب الاحترام، لتبقى المشاعر في إطار الطهارة والعفة.
- تحريم التبرج والتعطر أمام الأجانب
قال تعالى: (وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى).
الإسلام لم يهدف من الحجاب تقييد المرأة، بل حمايتها من ذئاب المجتمع الذين لا يرون فيها سوى شهوة. فالحجاب صيانة لا عبودية، وستر لا حرمان.
- الأمر بغضّ البصر
قال تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ).
النظرة أول سهم من سهام الشيطان، فإذا ضبط الإنسان بصره، حفظ الله قلبه من الفتنة.
- تسهيل الزواج للشباب والفتيات
حث القرآن الكريم على تسهيل أمر الزواج فقال تعالى:
(وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ… إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ).
فالزواج هو الحصن الشرعي للطهارة، ومن واجب المجتمع والدولة أن تيسر طرقه وتحارب ظاهرة المغالاة في المهور.
الانحراف المعاصر وأثر غياب الوقاية:
مع الأسف، في مجتمعاتنا الإسلامية المعاصرة، قلَّ الالتزام بتلك الوقاية، فانتشرت صور الانحلال والعلاقات المحرمة، وارتفعت معدلات الطلاق والعزوف عن الزواج. فكلما ابتعدنا عن منهج الله في الوقاية، اقتربنا من الانهيار الأخلاقي والاجتماعي.
الخاتمة:
الوقاية من الزنا ليست تشددًا ولا قيدًا، بل هي حماية لكرامة الإنسان وصيانة لحرمة الأسرة. إن المجتمع الذي يربي أبناءه على العفة، ويغرس فيهم مراقبة الله، هو المجتمع الذي يحيا بسلام نفسي وأمن اجتماعي. فالعفة ليست مجرد خُلق فردي، بل هي صمام أمان للأمة كلها.