عطاءات القرآن الكريم – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
يصف الله تعالى كتابه العظيم بقوله: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لّا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ﴾
وهذا الوصف بكونه “كريمًا” يدل على أن القرآن معطاء في جوهره، والعطاء إما أن يكون ماديًا كإعطاء المال أو المنزل، أو معنويًا، وهو الأثمن، كأن تهدي إنسانًا حكمة تنفعه في حياته كلها. والقرآن الكريم عطاؤه معنوي، لكنه أعظم من كل عطاء؛ لأنه يرشد الإنسان إلى طريق السعادة الأبدية.
منهج حياة متكامل: من المعاش إلى المعاد
القرآن لا يُعنى فقط بجوانب العبادة أو الآخرة، بل يقدم للإنسان خطة شاملة لتنظيم معاشه ومعاده؛ فيرسم له كيف يعيش في دنياه، ويضمن له الفوز في آخرته.
فالإنسان يعيش حياتين: الأولى مؤقتة في الدنيا، والثانية أبدية في الآخرة. والقرآن الكريم يوجهه في كليهما؛ يقيه الزلل هنا ويقوده للفوز هناك. لذا فإن من يسترشد بعطاء القرآن يعيش على نور، ويموت على نور، ويُبعث على نور.
هل يمكن لكل أحد تفسير القرآن؟
القرآن نور وهداية، لكنه لا يكون كذلك إلا إذا فُهم على وجهه الصحيح. ومن هنا كان السؤال: من يحق له تفسيره؟
الجواب جاء من القرآن نفسه في قوله: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾
وقد أوضح أئمة أهل البيت أن المقصود بـ “أهل الذكر” هم أهل البيت عليهم السلام، الذين اصطفاهم الله لبيان معاني الكتاب، كما جاء عن الإمام الصادق عليه السلام: “إذا أردت العلم الصحيح فعندنا، فنحن أهل الذكر.”
القرآن صالح لكل زمان ومكان
من أبرز صفات القرآن أنه لا يختص بزمان دون آخر، ولا بجيل دون آخر، فهو جديد في كل عصر، وغضٌّ بين يدي كل من يتلوه.
فقد سُئل الإمام الصادق عليه السلام: ما بال القرآن لا يزداد على النشر والدراسة إلا غضاضة؟ فقال: لأن الله تبارك وتعالى لم يجعله لزمان دون زمان، ولا لناس دون ناس، فهو في كل زمان جديد، وعند كل قوم غضّ إلى يوم القيامة.
القرآن المكتوب والقرآن الناطق
من عظمة الإسلام أنه لم يترك البشرية في فراغ بعد النبي صلى الله عليه وآله، بل أوصى النبي بوصية خالدة:
“إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدًا، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.”
فالقرآن وحده لا يكفي ما لم يُقرن بمن هم عدله: العترة الطاهرة، فهم من يوضح معانيه، ويجسد قيمه، ويكملون هداية الكتاب عبر سيرتهم وسلوكهم.
خلاصة المقال
القرآن الكريم ليس كتابًا تقرأه فحسب، بل هو حياةٌ تمشي بك، وعطاءٌ لا ينتهي، ومنهجٌ متكامل من الله عز وجل. ومن يتأمل آياته، ويفهمها من مصادرها الصحيحة، ويعمل بها، سينعم بخير الدنيا ونعيم الآخرة. فالقرآن هو الرحمة المهداة، والنور الإلهي الذي لا يخبو.