قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: المنبر العميد
آخر برامج من: الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

نعم الله المجهولة – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله

كثيرٌ من النعم الإلهية تمر بنا دون أن ندرك عِظَمها أو ندرك أثرها العميق في حياتنا، وقد وثّق القرآن الكريم بعض هذه النعم في مواقف شديدة ومحورية مثل معركة بدر. في هذه المقالة، نسلط الضوء على نعم ثلاث ذُكرت في قوله تعالى: ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ﴾ الأنفال: 11

نعم تحيطك دون أن تشعر

في خضم الحياة، ينشغل الإنسان بالنعم الظاهرة من رزق وصحة وأمن، وقد يغفل عن نعم خفية تحيطه وتؤثر في مصيره دون أن يشعر. هذه النعم أحيانًا لا تُكتشف إلا عند زوالها أو التأمل في آيات الله.

من بين هذه النعم، ما ورد في الآية المذكورة، التي تتحدث عن ثلاث نِعَم عظمى منحها الله للمسلمين في معركة بدر: النعاس، والمطر، وذهاب رجز الشيطان، والتي سنفصّل الحديث عنها.

أولاً: النعاس… سكينة من الله

قال تعالى:﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ﴾

في أجواء الخوف والقلق، لم يكن شيء يبعث الطمأنينة في نفوس المسلمين كما فعل النعاس، فقد غلبهم النوم لحظات قبل المعركة ليهدأ اضطراب نفوسهم.

ما وجه الإعجاز هنا؟

النعاس في تلك اللحظات لم يكن حالة جسدية، بل سكينة إلهية، بعثها الله لتُزيل الرهبة.

الإنسان في حالة الخوف يستنفر جهازه العصبي، ويصعب عليه النوم. فلما غشيهم النعاس، كانت تلك علامة أن الله قد بث الطمأنينة في قلوبهم.

النوم كنعمة مهجورة

النوم يُجدد الطاقة الجسدية والروحية.

يُنسي الآلام المؤقتة، ويُعيد توازن النفس.

عندما يُسلب النوم من الإنسان، يكون ذلك أشد أنواع العقوبات النفسية، كما حصل مع الحجاج بعد قتل سعيد بن جبير، حيث فقد لذة النوم عقابًا من الله.

ثانيًا: الماء… طُهرٌ ونقاء

قال تعالى: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ﴾

أبعاد النعمة:

هذا الماء لم يكن فقط للشرب، بل للطهارة الحسية والمعنوية.

المسلمون كانوا بحاجة ماسة للماء في بدر؛ للتطهر من الجنابة والاستعداد للصلاة.

كان المكان رمليًا يغوص فيه الأقدام، فنزول المطر ثبّت الأرض وهيأهم نفسيًا وجسديًا.

الماء: سر الحياة ونظام عدالة إلهي

منه نُرزق، وبه تُسقى الزروع والأنعام.

الماء قد يتحول من نعمة إلى نقمة إن زاد عن حده (كالفيضانات) أو قلّ عن حدّه (كالجفاف).

لكن الله يدبّر الماء بحكمة، فيسوقه عبر بواطن الأرض إلى حيث الحاجة، ليُعلّمنا مبدأ العدل والتوزيع العادل للموارد.

ثالثًا: إذهاب رِجْز الشيطان

قال تعالى: ﴿وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ﴾

المراد بـ “الرجز” هنا: وساوس الشيطان بالهزيمة والهلع، أو القذارة المعنوية الناتجة عن الذنوب، أو الحدث الذي يمنع الطهارة الشرعية.

كيف يُذهِب الماء رِجْز الشيطان؟

فقهيًا: الماء هو أول المطهِّرات، به يُزال الحدث الأكبر والأصغر.

روحانيًا: الطهارة الجسدية تُمهّد للطهارة القلبية، والتوجه إلى الله بنقاء.

رمزيًا: الماء هنا رمز للتطهير من كل شوائب النفس والشيطان، تمهيدًا للنصر.

الختام: أعد اكتشاف النعم الخفية

هذه الآية الكريمة تذكير بأن نعم الله ليست دائمًا محسوسة أو ظاهرة، بل كثير منها يقع في حيز “الرحمة الخفية”.

أن يغشاك النعاس في وقت التوتر، أن ينزل المطر حين حاجتك، أن يطهر الله قلبك وبدنك استعدادًا للقرب منه، كلها نِعم إن غابت، ضاقت الدنيا.

فلنحمد الله على نِعمه، ما علمنا منها وما لم نعلم.

مواضيع مشابهة

المنبر العميد – 432 -نعمة الماء من أعظم نعم الله

أحاديث في طهورية الماء