النعيم المقيم – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ)
إن الإنسان المتقي هو الإنسان المثالي الذي وظفت كل المبادئ والقيم والطاقات في الإسلام من أجل الوصول إليه، فهو القدوة المثلى لأي إنسان، وهو ما ينبغي أن يكون منتهى منى كل ابن آدم.
والتقوى هي من الخشية والاحتراز، ومعناها التحرز عن ارتكاب الذنوب وعصيان الباري جل وعلا.
وقد جاء ذكر كلمة المتقين في صدر الآية الكريمة مسبوقة بتوكيد لفظي للتأكيد على المصير الذي ينتظر هذا الصنف من الناس والنعيم المقيم الذي ينتظرهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
وإن المتقي هو الشخص الذي يملك زمام نفسه ولجامها وبيده دفة القيادة، فالله سبحانه بحكمته خلق في الإنسان قوتان هما العقل والغريزة، وجعل العقل أقوى من الغريزة، فالله لا يكلف نفسا إلا وسعها، ولو كانت الغرائز أقوى من العقل فلن يقوى أحد على الوقوف بوجه غرائزه.
والمقصود بالغرائز هنا هي الغرائز الشيطانية لا تلك التي توظف بطرق شرعية وتؤطر ضمن أطر صحيحة لا تشذ عنها.
فمن مشاهدتك العملية ترى الطفل منذ ولادته لديه في نفسه غريزة حب تملك الأشياء، فلو أخذت منه شيئا لبكى وصاح في وجهك.
تخيل معي أن تطلق العنان لمثل هذه الغريزة أن تنمو دون أي توجيه ولا رادع، النتيجة هي أن هذا الطفل سيتحول يوما ما إلى وحش كاسر لا يتورع عن فعل شيء في سبيل تملك كل شيء سواء كان ذلك بالليونة أم بالخشونة والعنف والاغتصاب والقوة.
إن ما ينتظر المتقين الذي لجموا غرائزهم الشيطانية ووظفوها في إطارها الصحيح من نعيم مقيم يصفه القرآن في عديد من آياته المباركة بأوصاف ترغب المرء في نيله، وإنما الجنة مشتقة من الجنة بالضم، ومعنى الجنة هو في الحقيقة الوقاية.. الوقاية من كل ألوان الألم والعذاب والمشقة، فرغم تنعم الإنسان بنعم الله في هذه الدنيا إلا أن كل متعة وكل لذة يحصل عليها المرء هنا يصاحبها ألم وتعب، أما النعيم المقيم في دار الآخرة فهو النعيم الكامل المتكامل الذي لا يزول ولا ينقص ولا ينضب.