صفات المنافقين – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
المنافقون في النص القرآني هم الفئة الأخطر على الأمة الإسلامية، لأنهم يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، ويقفون موقف العدو من داخل الصف، ما يجعلهم أشد ضررًا من الكفار المعلنين. وقد خصّهم الله تعالى بآيات كثيرة تفضح مكرهم وتسلّط الضوء على أخلاقهم الزائفة، ومن أبرز هذه الآيات قوله تعالى:
﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ۖ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: 142].
أولًا: معنى خداع المنافقين لله
خداع المنافقين لله لا يعني خداعًا حقيقيًا، فإن الله لا يُخدع. وإنما هو تمثيل لحالهم، حيث يظهرون للناس الإيمان والتقوى ويبطنون الكفر والعداء، وهم يتوهمون أن بإمكانهم خداع رب السماوات والأرض، وكأن الله لا يراهم ولا يعلم ما تُكنّه صدورهم!
أما قوله تعالى “وهو خادعهم”، فقد فسّره المفسرون بأنه استدراج من الله لهم، فيمهلهم ويفتح لهم أبواب الفرص، فيظنون أنهم في مأمن من العقوبة، فيتمادون في نفاقهم، فإذا بهم يفاجَؤون بفضيحتهم أو هلاكهم في الدنيا قبل الآخرة.
ثانيًا: سياسة النبي مع المنافقين
كان النبي الأعظم صلى الله عليه وآله يعلم بأسماء كثير من المنافقين، والوحي كان يخبره بهم، لكنّه اتخذ معهم سياسة الصبر والصفح وعدم التصعيد، لئلا يتحدث الناس بأن محمدًا يقتل أصحابه.
وقد شهدت السيرة النبوية مواقف كثيرة واجه فيها النبي إساءة هؤلاء المنافقين، بل منهم من تطاول عليه وعلى أهل بيته، ومع ذلك قابلهم بالتجاوز والعفو، محافظةً على وحدة المجتمع الإسلامي في الظاهر، وتفويتًا للفرصة على أعداء الإسلام في الداخل والخارج.
ثالثًا: صفة الكسل في الصلاة
من أبرز ما وصف الله به المنافقين في صلاتهم، قوله:
“وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى”.
فصلاتهم لم تكن خالصة لله، بل كانت رياءً للناس، حتى لا يُكتشف كفرهم. ولهذا لم يكن في قلوبهم دافع إيماني للصلاة، فقاموا إليها وكأنهم يُساقون إلى الموت، لا إلى لقاء الله.
ويا للعجب! كيف يصلي إنسان وقلبه غافل؟! بل كيف يركع ويسجد دون رغبة روحية؟
الصلاة، في حقيقتها، صلة بين العبد وربه، وهي بوابة العروج الروحي، فإذا كانت بلا حضور قلب، فأنّى لها أن تُثمر خشوعًا أو تهذيبًا؟
رابعًا: أثر النفاق على العبادة والأخلاق
من لا يؤمن حقًا بالله واليوم الآخر، ومن لا يرجو لقاء الله، لن تُصلحه العبادات، بل تكون عبادة الجسد دون الروح.
ولهذا فإن صلاة المنافق لا تنهى عن الفحشاء والمنكر، لأنها مجرد حركات خالية من الروح والنية، بخلاف المؤمن الصادق الذي يعرج بروحه كلما سجد، ويذوب قلبه خضوعًا إذا وقف في محراب ربه.
خاتمة
المنافق لا يُعرف من خلال شكله أو قوله فقط، بل من خلال فعله ونواياه، ومن علامة نفاقه أن تكون عبادته ثقيلة عليه، خصوصًا الصلاة التي هي ميزان الإيمان.
ولذا فإن على المؤمن أن يحاسب نفسه في كل صلاة: هل أنا مقبل على الله؟ هل أتلذذ بالوقوف بين يديه؟ فإن وجد قلبه كسلانًا، فليعلم أن في داخله خللًا يحتاج إلى إصلاح.