قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: المنبر العميد
آخر برامج من: الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

حرمة بيت الله – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله

حرمة بيت الله – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله

بيت الله الحرام هو قبلة المسلمين، ومهوى أفئدتهم، وأقدس الأماكن على وجه الأرض. هذا البيت المبارك لا يقتصر على كونه مبنى حجريًا فحسب، بل هو رمزٌ لوحدة الأمة الإسلامية ومركز شعائرها العظيمة مثل الحج والعمرة والطواف.

تُعد حرمة بيت الله الحرام من أعظم الحرَم الشرعية التي حَفظها الله تعالى بنفسه، فهو مكان الآمان والسكينة، حيث لا يجوز الاعتداء فيه على النفس أو المال أو حتى الطير والحيوان. في هذا المقال سنتناول معنى كلمة “البيت” في القرآن الكريم، وأبعاد الجعل الإلهي لبيت الله الحرام، ونستعرض آراء العلماء حول تاريخ بناء الكعبة، بالإضافة إلى حرمة الحرم الشريف وأحكام الصلاة بمقام إبراهيم عليه السلام.

معنى كلمة “البيت” في القرآن الكريم

كلمة “البيت” في اللغة العربية مشتقة من المبيت، وهو المكان الذي يبيت فيه الإنسان ليستريح، ولكنه يحمل في القرآن معاني مختلفة ومتنوعة. فمثلاً تُقال كلمة “بيت” بمعنى الأسرة أو العائلة أو العشيرة، كما في عبارة “فلان من بيت كذا”.

أما بيت الله الحرام فمعناه أنه مكان خاص يُؤوي إليه قلوب المؤمنين وروحهم، وليس شرطًا أن يبيت الإنسان فيه بالمعنى الحرفي، بل يكون فيه مأوى روحي وملاذ إيماني يربط العبد بخالقه.

وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا﴾، مما يدل على أن هذا البيت هو ملجأ للناس وموضع أمان لهم، فهذه المكانة العظيمة جعلت منه مركزًا للعبادة والتقرب إلى الله تعالى.

الجعل الإلهي للبيت الحرام: تكويني أم تشريعي؟

القرآن الكريم ذكر: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ﴾، وهذا “الجعل” قد يكون إما تكوينيًا بمعنى أنه خلق في الطبيعة منذ زمن، أو تشريعيًا بمعنى أنه أمر الناس بالتوجه إليه والعبادة فيه.

وبناءً على أقوال العلماء، فإن الجعل هنا هو جعل تشريعي، أي أن الله سبحانه أمر الناس بزيارة هذا البيت الشريف، وأمرهم بأن يكونوا على ارتباط روحي به عبر شعائر الحج والعمرة والطواف.

هذا الارتباط جعل من البيت الحرام مصدر قوة روحية للمسلمين على مر العصور، فكما جاء عن الإمام الصادق عليه السلام قوله:

“من خرج من مكة وهو لا يريد العودة إليها فقد اقترب أجله ودنا عذابه”، مشيرًا إلى أهمية تكرار زيارة البيت الحرام وتجديد الارتباط به.

تاريخ بناء الكعبة: وجهات نظر متعددة

تباينت آراء العلماء والباحثين في تاريخ بناء الكعبة:

الرأي الأول: أن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام هما من بنيا الكعبة لأول مرة، وقد ورد ذكر هذا في القرآن الكريم حيث قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ﴾.

الرأي الثاني: يرى بعض العلماء أن الكعبة كانت موجودة قبل زمن إبراهيم عليه السلام، فقد وردت أنها كانت موجودة منذ دحو الأرض، ولكنها اندثرت بسبب الطوفان العظيم، فأعاد إبراهيم عليه السلام بناءها وأعاد نصب قواعدها.

وهذا يعكس عظمة دور إبراهيم عليه السلام في ترسيخ بيت الله كموضع العبادة الأول في الأرض.

حرمة بيت الله الحرام وأحكامه الشرعية

من أعظم مقامات بيت الله الحرام هي حرمتها التي أمر الله بها عباده، حيث:

لا يجوز قتل أي كائن حي داخل الحرم، سواء كان إنسانًا أو طيرًا أو حيوانًا.

لا يجوز الاعتداء على المال أو النفس فيه، حتى لو كان على الشخص حد شرعي أو قصاص، فإنه يحرم أن يُؤخذ داخل الحرم، بل يُضيق عليه حتى يخرج.

الاستثناء الوحيد هو في حال الاعتداء الصارخ على الحرم، حينها يجوز لأهل السلطة أن يأخذوا حقهم ولو كان داخل الحرم.

هذه الأحكام تعكس العناية الإلهية الخاصة بهذا المكان، وحرص الله على حفظ قدسيته وأمنه.

مقام إبراهيم عليه السلام وأهميته في الصلاة

في الآية الكريمة: ﴿وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾، أمر الله تعالى المسلمين بأداء ركعتين بعد الطواف حول الكعبة، ويُصلى بهما في مقام إبراهيم عليه السلام.

هذه الركعتان تذكّر المسلمين بجهاد إبراهيم في بناء الكعبة وولائه لله، وهي علامة على الوفاء لهذا النبي العظيم الذي أسس أول بيت لله في الأرض.

ويعد مقام إبراهيم عليه السلام موضعًا مباركًا وقبلة للعبادة، فيه توقفت قواعد البيت وأُنشئت، وهو جزء لا يتجزأ من شعائر الحج والعمرة.

خاتمة

بيت الله الحرام هو قلب الإسلام النابض، وركن التوحيد الذي جمع شتات الأمة الإسلامية في وجه واحد.

إن حرمة هذا البيت ليست فقط حرمة مكانية، بل هي حرمة روحية ونفسية وأخلاقية، تمثل علاقة العبد بربه في أسمى صورها.

ومن خلال الجعل الإلهي، والتاريخ العريق للبناء، والحرمة الشرعية، ومقام إبراهيم المبارك، نرى كيف حافظ الله تعالى على هذا المكان ليظل مركزًا للعبادة والتقوى، ومصدر نورٍ وهدى للمسلمين على مر العصور.

مواضيع مشابهة

المنبر العميد – 11- مكانة الكعبة المشرفة

أحاديث في الكعبة وكيفية بنائها وفضلها