الصلاة قربان كل تقي – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
قال أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام: “الصَّلَاةُ قُرْبَانُ كُلِّ تَقِيٍّ، وَالْحَجُّ جِهَادُ كُلِّ ضَعِيفٍ. وَلِكُلِّ شَيْءٍ زَكَاةٌ، وَزَكَاةُ الْبَدَنِ الصِّيَامُ، وَجِهَادُ الْمَرْأَةِ حُسْنُ التَّبَعُّلِ”.
هذه الكلمة العلوية الجامعة تختصر فلسفة العبادة في الإسلام، وتُبيّن كيف أن كل عبادة لها وظيفتها الروحية والاجتماعية في بناء الإنسان المتقي.
معنى التقوى وأثرها في حياة الإنسان:
التقوى هي حالة من المراقبة الدائمة لله، والابتعاد عن الذنوب قبل الوقوع فيها، فهي وقاية لا علاج.
الإنسان المتقي لا ينتظر أن يذنب ليتوب، بل يعيش بحذر إيماني يمنعه من الانحراف.
التقوى تمنح النفس مناعة روحية تردعها عن الفحشاء والمنكر.
وهنا يتجلى قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾،
إذ إن الصلاة التي تُقبل عند الله تعالى تصبح حصنًا للإنسان من الانحراف، لأنها تبعث في النفس حالة من الطهارة والحياء من الله عز وجل.
الصلاة قربان كل تقي:
الصلاة هي الرابطة اليومية بين العبد وربه، وهي الطريق الأقصر للتقرب من الله.
فالمصلي الحقيقي يشعر في صلاته أنه يقف أمام عظمة خالقه، فيخشع قلبه وتخشع جوارحه.
هذا الشعور يمنع المؤمن من الإقدام على المعاصي بعد الصلاة، لأنها تزرع في قلبه مراقبة الله.
إذن، فالصلاة ليست مجرد أداء حركات وألفاظ، بل هي وسيلة قرب روحي لا ينالها إلا التقي الخاشع.
الحج جهاد الضعيف ورفعة الأمة:
كما جعل الله الجهاد وسيلةً لردّ العدوان ونصرة الدين، جعل الحج جهادًا لمن لا يستطيع حمل السلاح.
الحج هو تعبير فكري وروحي عن الولاء لله، وفيه يعلن المسلم خضوعه الكامل لأوامر الله.
ومن خلاله تتجلى وحدة الأمة الإسلامية، فيقف الغني والفقير، الأبيض والأسود، في صف واحد تحت راية التوحيد.
فهو نوع من الجهاد السلمي الذي يردّ شبهات الأعداء ويُظهر عظمة الإسلام في التنظيم والتوحيد.
زكاة البدن الصيام وزكاة العقل المشورة:
الزكاة في معناها اللغوي تعني الطهارة والنماء، وقد جعل الله لكل جانب من جوانب الإنسان زكاةً خاصة:
زكاة المال: إنفاقه في سبيل الله لتطهير النفس من الشح والطمع.
زكاة البدن: الصيام، لأنه يطهّر الجسد من الشهوات ويعلّم الإنسان الصبر والانضباط.
زكاة العقل: تقديم المشورة والنصيحة الصادقة، لأن العلم أمانة يجب أن تُسخَّر لخدمة الآخرين.
جهاد المرأة حسن التبعل:
الإمام علي عليه السلام يكرّم المرأة حين يجعل جهادها في حسن التبعل، أي في حسن إدارة بيتها ومعاشرة زوجها بالمعروف.
فالمرأة الصالحة التي تملأ بيتها حبًا وطمأنينة تُنشئ جيلاً صالحًا يسهم في بناء المجتمع.
كما أن الزوج الذي يجد في بيته سكينة ومحبة، يضاعف جهده في عمله ويعود بالنفع على أسرته.
إذن، حسن التبعل ليس خضوعًا بل عطاءٌ روحيٌّ وجهادٌ أسريٌّ راقٍ يعادل جهاد المقاتل في ميدانه.
خاتمة:
كلمة الإمام علي عليه السلام تلخّص منهج الإسلام في تزكية النفس وبناء المجتمع:
بالصلاة يكون القرب من الله، وبالجهاد يكون العزّ للأمة، وبالزكاة والصيام يكون التطهير.، وبحسن التبعل تكون السكينة والرحمة.
فكل عبادة هي ركيزة لبناء إنسان متكامل روحيًا وجسديًا واجتماعيًا، ليكون جديرًا بالقرب من الله تعالى.
مواضيع متشايهة
خير الزاد – 877 – الصلاة أول الوقت
أهمية الصلاة في سيرة الأنبياء والأوصياء