قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: المنبر العميد
آخر برامج من: الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

ثمرات الشكر – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله

إنّ الشكر خُلُقٌ رفيع، ومرتبة من مراتب الكمال البشري، لا ينالها إلا من استضاء قلبه بنور الإيمان، وتعمّق في فهم العلاقة بين العبد وربه، وبين الإنسان وأخيه الإنسان. وقد جعل الله تعالى الشكر بوابةً للزيادة، وسبيلاً إلى الرضا، فقال: (لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)، ولأنّ موضوع الشكر يتّصل صميمًا بالتوحيد الخالص، افتتحنا حديثنا بهذه الآية العظيمة:

(وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا).

 

الفرق بين الحمد والشكر:

إنّ من دقائق التعبير القرآني أنّه يفرّق بين معنيين قد يتداخلان على أذهان الناس وهما: الحمد والشكر. فالحمد هو الثناء على المنعم بما هو أهله، سواء أصابك من نعمه شيء أم لم يصبك، لأنه كمال مطلق في ذاته وأفعاله، أما الشكر فلا يكون إلا على نعمة مخصوصة، نالها العبد مباشرة. فالذي يحمد، يثني على صفات الكمال، والذي يشكر، يثني على النعمة الواقعة.

ولذلك، فالحمد أوسع من الشكر وأشمل، ومن هنا جاء في قوله: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) دون أن يُذكر الشكر، لأنّ الحمد يشمل الثناء المطلق، ويغطي مقام التوحيد كله.

 

شكر الله على نعمة التوحيد:

إنّ مما يستوجب الحمد لله جلّ جلاله، ما قررته الآية من نفي الشرك والولد عن ذاته المقدّسة، وهذا في ذاته نعمة كبرى علينا نحن الموحّدين، فقد منّ الله علينا بأن وهبنا عقولاً تدرك براهين الوحدانية، وقلوباً تطمئن إلى تجريد التوحيد وتنزيه الله عن كل ما لا يليق به.

فالله تعالى لم يتخذ ولدًا لأنه غنيّ عن النقص، منزّه عن الحاجات، لا يدركه العجز، ولا يطرأ عليه الفناء، ولم يكن له شريك في الملك لأنّ الشراكة تفترض الحاجة والتكامل، وهذا يتناقض مع ألوهيته المطلقة. ولم يكن له وليٌّ من الذل، لأنّ الولاية من الذل لا تكون إلا لمن أصابه ضعف، والربّ سبحانه هو القوي القاهر العزيز، الذي (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ).

 

مفهوم الشكر في علاقات الناس:

رغم أن الشكر في أصله عبادة قلبية تتوجه إلى المنعم الأعظم، إلا أن الإسلام لم يُغفل شكر الوسائط من الناس، بل أوجب علينا الاعتراف بالجميل لمن كان سببًا في تيسير النعمة. قال النبي صلى الله عليه وآله: “من لم يشكر الناس لم يشكر الله”.

لكنّ هذا الشكر للمخلوق يجب أن يُضبط ضمن حدوده، فلا يجوز أن يُساوى بحمد الخالق، فالمخلوق إن أعطى، فإنما يُعطي من ثمار النعمة، أما الله تعالى فهو واهب الأصل والثمرة معًا، هو من أعطى العبد القدرة على الإحسان، وخلق فيه الرحمة، وفتح له باب التوفيق.

 

ثمرات الشكر ومكانته في القرآن:

لقد جعل الله الشكر عنوان الفلاح في الدنيا والآخرة، بل إنّ كل عبادة من العبادات، وكل اختبار من اختبارات الحياة، مردّه إلى الشكر أو الكفر، قال تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا). فالشكر ليس مجرد كلمات تُقال، بل هو اعتراف بالنعمة، وتوظيفها في مرضاة الله، وتواضعٌ أمام فيض كرمه.

 

خاتمة:

إنّ الشكر لا يُستوفى بلسانٍ فقط، بل هو منظومة متكاملة من الإيمان، والعقل، والعمل. إننا نشكر الله على نعمة الإسلام، ونشكره على نعمة التوحيد، ونشكره على نعمة أوليائه الذين عرّفونا الحق وسبيل النجاة، ونشكره كلما فتح لنا بصيرة نميز بها الخير من الشر، والحق من الباطل.

مواضيع مشابهة

آداب الصلاة – 258 – سجود الشكر من أهم التعقيبات

أحاديث في سجدة الشكر وفضلها وما يقرأ فيها وآدابها