قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: المنبر العميد
آخر برامج من: الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

صور عبادة الأصنام – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله

(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَّمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ)

إن من أعظم أساليب القرآن الكريم في تربية الإنسان وبنائه الفكري والعقائدي، هو استخدام المثل القرآني، الذي يُجسد المعنى العميق في صورة قريبة إلى الذهن ومؤثرة في القلب. ومن بين هذه الأمثال ما ورد في هذه الآية المباركة، حيث يُعرض مشهد يُقارن بين عبودية عاجزة لا تملك لنفسها شيئاً، وبين قدرة إلهية مطلقة في العطاء والكرم، ليُفضح من خلالها بطلان عبادة الأصنام وعبثية الركون إلى غير الله عز وجل.

 

المعنى العام للآية:

تُصور هذه الآية الكريمة مشهداً عقلياً مقنعاً، يُضرب فيه مثل لعبد مملوك لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، ولا يقدر على شيء، فيُقارن بمن رزقه الله رزقاً حسناً فصار يُنفق منه في السر والعلانية. فهل يستوي هذا العاجز الذليل، مع ذلك الغني المعطاء؟

الجواب المنطقي طبعاً: لا.

وهكذا يُسقط القرآن هذا المثل على واقع أولئك الذين أشركوا بالله وعبدوا أصناماً لا تملك لهم شيئاً، بل هي مخلوقات لا تعقل ولا تنطق، وبعضها من صُنع أيديهم!

الأمثال القرآنية أداة تربوية:

القرآن الكريم لا يكتفي بالتوجيه النظري، بل يُدرّب الإنسان على التفكير بالمقارنة العقلية من خلال الأمثال، وهذه الأمثال ليست فقط أدوات بيانية، بل هي أسلوب تربوي فاعل في تكوين الرؤية العقائدية والأخلاقية.

وقد استخدمها القرآن كثيراً في تربية الإنسان المسلم، سواء من خلال أمثلة الأمم السابقة أو أمثلة واقعية حاضرة، وكل ذلك يصب في هدف مركزي: هداية الإنسان إلى عبادة الله وحده، وتنقيته من الشرك الظاهر أو الخفي.

 

أصنام الماضي والحاضر:

ورغم أن هذه الآية نزلت في مشركي قريش الذين عكفوا على أصنام من حجر أو خشب، لكن معناها لا يقتصر على ذلك الزمان؛ فـ”الأصنام” التي يُعكف عليها في عصرنا قد تكون قيمًا اجتماعية بالية، أو تقاليد عشائرية باطلة، أو شهواتٍ نفسية مهيمنة، أو حتى طموحات دنيوية تُعبد من دون الله.

فمن يُنفق أمواله ببذخ إسرافي في زفافٍ فقط ليقال “فلان ابن عائلة”، أو من يترك حُكم الله خوفاً من نظرة المجتمع أو تعارضه مع الأعراف القبلية، فإنه قد جعل من تلك القيم صنمًا يُعبد من دون الله.

 

عبادة الله… ليست للتجارة:

ثم تأتي رسالة تربوية أخرى في الآية؛ وهي أن العبادة لا ينبغي أن تكون لأجل مصلحة دنيوية أو طمع في جنة فقط، بل خالصة لوجه الله تعالى، تحقيقًا للتقرب إليه ونيلًا لرضوانه.

فالعبد المؤمن لا يصلي طمعًا في الرزق، ولا يصوم طمعًا في الشفاء، بل يُؤدي عبادته لأنه عبدٌ لله، والله كريمٌ بطبعه، يعلم حاجات عبده ويكفيه دون أن يُشترط عليه شيء.

 

خاتمة:

في خضم الأمثلة القرآنية، تتجلّى دعوة الله لنا أن نُحرر أنفسنا من عبودية الأصنام الظاهرة والخفية، وأن نعبد الخالق لا المخلوق، ونُخلص له النية والقلب والعمل.

ولذلك قال تعالى: “أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ”.

فمن عرف الله حقاً، استحى أن يُشرك به شيئاً، مهما صغر أو خفي.

مواضيع مشابهة

رحيق المجالس – 47 – حرية العقيدة في الإسلام

الحسرة في عرصات القيامة