قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: المنبر العميد
آخر برامج من: الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

معجزة مولد عيسى المسيح ع – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله

يُعدّ مولد نبي الله عيسى المسيح عليه السلام من أعظم المعجزات التي شهدتها البشرية، لا لأنه فقط خرج إلى الحياة دون أب، بل لأنه كان بشارة سماوية، وكلمة الله التي ألقاها إلى مريم، فكان ظهوره نورًا دحض به الله باطل المشككين، وآية ناطقة على قدرة الخالق على قلب قوانين الطبيعة حين يشاء. ولأن الإسلام دين يؤمن بجميع الأنبياء ويجلهم، فإن حديث القرآن الكريم عن ولادة السيد المسيح جاء في موضع الاحترام والتعظيم، وفيه ردّ على الشبهات وإيضاح للحكمة من تلك المعجزة الربانية.

 

ولادة الطهر من رحم الطهر:

يقول تعالى في سورة مريم:

﴿فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا * فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾.

إن هذه الآيات الكريمة ترسم مشهداً مهيباً، فيه تختلط آلام المخاض بوجع الاتهام، وفيه ترفع امرأة طاهرة كفّها إلى السماء متمنية الموت فراراً من نظرات الاتهام التي قد تطعن في شرفها. فمريم العذراء عليها السلام كانت قد تربّت في بيت النبوّة، في محراب الطهر والعفّة، ولذا كان وقع الابتلاء شديدًا على نفسها، رغم يقينها بربّها.

 

معجزة خارقة أم أمر طبيعي؟

من الناحية العقلية، يُقسَّم الممتنع إلى ثلاثة أنواع:

ممتنع ذاتي: كإدخال الدنيا في بيضة دون تغيير حجم أي منهما، وهذا مستحيل بذاته.

ممتنع عقلي: كاجتماع الضدين، كأن يكون الشيء ساكنًا ومتحركًا في آن واحد.

ممتنع عادةً: كخروج نبي من دون أب، أو شق البحر، أو إحياء الموتى، وهي الأمور الخارقة التي تقع بإرادة الله، دون أن تكون مستحيلة عقلاً أو ذاتاً.

إن ولادة المسيح عليه السلام من أم بلا أب هي من النوع الثالث، أي خارقة للعادة وليست مستحيلة عقلاً. وقد سبقها أعظم منها، وهو خلق آدم من غير أب ولا أم، وخلق حواء من آدم. فكيف يعجز الله عن خلق إنسان من أم فقط؟

 

الإسلام والمسيح: احترام لا مثيل له

في القرآن الكريم، لم يُذكر نبيٌّ كما ذُكر السيد المسيح عليه السلام، وجاءت سيرته مشرّفة، مكرّمة، طاهرة، منزّهة عن الافتراء. وقد مدحه الله مرارًا، ووصف أمه بالصديقة، وجعل قصته علامة على قدرته، وشهادةً على طهارة رسالته. قال تعالى:

﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً﴾،

﴿إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ﴾.

وفي سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله والأئمة من بعده، لم يُسجّل موقف فيه أي إساءة أو انتقاص بحق عيسى بن مريم، بل على العكس، جاء الإيمان به وبنبوته شرطًا لصحة الإيمان بالإسلام.

 

الردّ على المشككين:

كثير من الملحدين وأعداء الأديان يطعنون في طهارة هذه المعجزة، مدّعين أن ولادة بلا أب أمر مخالف للعقل أو الطبيعة. ولكن العقل السليم يدرك أن الله الذي خلق الأسباب، قادر على أن يخرقها متى شاء. فكما أجرى المعجزات على يد إبراهيم وموسى ومحمد عليهم السلام، أجرى آية الولادة على يد مريم بنت عمران.

والعاقل لا ينكر الأمر لأن العادة جرت بخلافه، فلو كان كل ما جرى خلاف المألوف باطلاً، لبطلت كل المعجزات، ولما صدّق أحدٌ بنبوّة أي نبي.

 

وفي الختام:

إن قصة مولد السيد المسيح عليه السلام تمثّل واحدة من أعظم الآيات الربانية، وشهادة حقيقية على طهارة مريم، وقدرة الله، وصدق الرسالات السماوية. وهي دعوة للتفكر في أسرار الخلق، لا للطعن والشك والتكذيب.

لقد ولد المسيح آيةً، وعاش كلمةً، وسيعود علامة، فسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يُبعث حيًّا.

مواضيع مشابهة

وثائقي المسيح والحسين (ع)

أحاديث في ولادة عيسى (ع)