قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: المنبر العميد
آخر برامج من: الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

وما علمناه الشعر – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله

قال تعالى: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ) سورة يس: 69

نزلت هذه الآية المباركة ردًا على المشككين الذين بهرتهم بلاغة القرآن الكريم، ولكنهم رغم إعجابهم الباطني به، سعوا إلى التشكيك فيه، متهمين النبي محمدًا صلى الله عليه وآله بأنه شاعر، وأن ما جاء به ليس وحيًا من الله، بل شعر من تأليفه.

تفسير الآية وموقع الشعر في الإسلام:

لقد تعددت آراء المفسرين حول هذه الآية:

الرأي الأول: أن النبي صلى الله عليه وآله لم يكن يعرف الشعر، لا نظمًا ولا وزنًا ولا قافية، وهو ما استدل به البعض على إعجاز القرآن، إذ جاء من رجل لم يتعلم الشعر ومع ذلك أتى بكلام أعجز الفصحاء والبلغاء.

الرأي الثاني (الأرجح): أن النبي صلى الله عليه وآله كان قادرًا على الشعر لكنه لم يمارسه، وأن الامتناع عنه كان تكليفًا إلهيًا لحكمة بالغة، ليبقى القرآن مميزًا منفصلًا عن جنس الشعر، وحتى لا يُقال: “إنما افتراه”، ولأن النبي صلى الله عليه وآله بلغ قمة الكمال البشري، فلا يصح أن يُنسب له جهل بشيءٍ من فنون اللغة، وإنما تركه اجتنابًا وتكليفًا لا عجزًا.

وبهذا يتّضح أن نفي الشعر عن النبي لا يعني نفي مكانة الشعر في الإسلام، فالله تعالى قال أيضًا:

(وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) سورة الشعراء: 224-227

فهناك استثناء واضح للشعراء المؤمنين الصالحين، الذين سخّروا شعرهم للدفاع عن الحق والدعوة للفضيلة.

دور الشعر في تفسير القرآن:

يُعدّ الشعر الجاهلي أحد الأدوات اللغوية الهامة التي يعتمد عليها المفسرون في تفسير القرآن الكريم، خاصةً عند وجود ألفاظ تحتمل أكثر من معنى.

فالشعر هو سجل اللغة العربية وموسوعة ألفاظها، وقد كان يُستشهد بكلام الشعراء لتحديد معنى الكلمات في عصر التنزيل. لذا، لم يُنكر الإسلام الشعر بل استعان به في فهم كلام الله!

الأثر النفسي والثقافي للشعر:

للشعر قوة كامنة تؤثر في النفوس، وله حضور بارز في حياة المجتمعات:

في الجاهلية: كان الشعر وسيلة إعلام وتوثيق وتاريخ. وكانت تُعلّق القصائد الخالدة على جدران الكعبة (المعلّقات).

في المعارك: كان المحاربون العرب ينشدون الأبيات الحماسية في ساحات القتال لتحفيز أنفسهم ونشر الرعب في قلوب الأعداء.

في المجالس: كان الشعر يُستخدم لنشر الحكم والمواعظ، وإثارة الفخر والاعتزاز، أو حتى السخرية والنقد الاجتماعي.

ولذلك بقي الشعر حاضرًا في الأدب والدين والسياسة، وكان ولا يزال وسيلةً رفيعة للتعبير عن الوجدان الإنساني.

الشعر في الإسلام… متى يكون محمودًا ومتى يكون مذمومًا؟

محمودٌ إذا كان: داعيًا إلى الخير، مدافعًا عن الحق، ناقلًا للفضيلة، باعثًا على التوبة، ناصرًا للمظلوم، ومجليًا لقيم العدل والإيمان.

مذمومٌ إذا كان: أداةً لنشر الرذيلة، أو الهجاء الظالم، أو الكذب، أو المجون، أو الترويج للباطل والانحراف.

قال الإمام الصادق عليه السلام: “من قال فينا بيتَ شعرٍ بني له بيتٌ في الجنة.”

خاتمة:

الشعر ليس مجرد كلماتٍ موزونة؛ إنه مرآةٌ للمجتمع، وصوتُ القيم، ونبضُ الوجدان.

وقد أدركت المجتمعات الإنسانية منذ القدم مكانته، وأثبت الإسلام أن الشعر – متى ما كان في خدمة الحق – فإنه أداة سامية من أدوات الإصلاح والدعوة.

مواضيع مشابهة

وهج الغدير – 5 – الإمام علي عليه السلام في الشعر الفصيح

أحاديث في فضل إنشاد الشعر في مدح أهل البيت (ع)