ختم الله على قلوبهم – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)
قد يشتم من الآية الكريمة معنى الجبر في أفعال العباد، فمعنى أن الله قد ختم على قلوبهم هو: أن الله سلب منهم القدرة على فهم الدليل وبالتالي منعهم من الهداية، ولكن في تفسير الآية معنيين: الأول أن الله قد علم منهم منذ الأزل العناد ورفض الحق، أو أنهم لشدة عنادهم وردهم للحق والدليل ختم الله على قلوبهم.. وعلى كلا المعنيين يرد القول بالإجبار.
فإن الكفار وصلوا إلى درجة من العناد لا يستطيعون معه الاستفادة من عقولهم، كمثل بعض علماء الأحياء وغيرهم من المنكرين لوجود الخالق، فرغم اطلاعهم على أسرار الحياة إلا أنهم يعتبرون أن المسبب لها هو إما الطبيعة أو الصدفة، فهل يمكن لكائن ليس فيه الحياة أن يهب الحياة لغيره؟ ذلك فضلاً عن أن يكون ذلك الكائن الحي قد أتى من العدم! والجميع يعلم أن فاقد الشيء لا يعطيه، فكيف لمن لا وجود له أن يخلق الوجود وكيف للميت أن يهب الحياة؟!.
إن الله تعالى قدم السمع على البصر لأن السمع أهم، فالإنسان لا يستطيع الاستفادة من عينية بنفس الوقت إلا في اتجاه واحد، أما بالبصر فهو يستطيع أن يسمع عن يمينه وشماله ومن فوقه وجميع الاتجاهات وفي آن واحد، ثم إن من ابتلي بفقد نعمة البصر يصاب بسوء الظن، فكلما رأى اثنان يتحدثان يظن أنهما يتحدثان عنه.
ومعنى أن الله ختم على سمعهم وأبصارهم أي أنه لا يستمع للهدى أبداً ولا يرى الحق، ويصم الله أذنيه عن كل حجة أو كلام طيب، وهذا الأمر لا يزال الكثير من المسلمين عليه حتى اليوم، فكثير منهم يصدقون أقوال المغرضين الذين يهدفون إلى زرع الفتنة بين أبناء الأمة الواحدة، وبالتالي يصمون آذانهم عن كلام أهل البيت عليهم السلام وكلام العلماء من شيعتهم.
ثم ختم بقوله: (وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) والعذاب لغة بمعنى المنع، فعدما يقال أن فلان عذب فلان أي يعني منع عنه ما يلائم جسده، فالمعذبون يوم القيامة يمنع الله عنهم الطعام والشراب والراحة وغير ذلك من أصناف العذاب، ولذلك أمير المؤمنين عليه السلام عندما كان يخرج إلى القتال يقول لأصحابه: (اِعْذِبُوا عَنِ اَلنِّسَاءِ مَا اِسْتَطَعْتُمْ).
نعي مصيبة وداع الإمام الحسين عليه السلام لفاطمة العليلة