ادخلوا في السلم كافة – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾.
هذه الآية المباركة تحمل أبعادًا روحية واجتماعية عميقة، فهي ليست مجرد دعوة لفظية، بل منهاج حياة شامل يدعو المسلم للتمسك بتعاليم الإسلام كلها، وللسير في طريق السلم والابتعاد عن الفتن والاقتتال.
معنى السلم في الآية الكريمة
السلم بمعنى الإسلام: ذكر المفسرون أن المقصود بـ”السلم” هو الإسلام، أي أن المسلم مدعو للدخول في التعاليم كاملة، لا أن يختار منها ما يوافق هواه ويترك ما يشق عليه.
المسلم الحقيقي هو من يجعل الطاعة جزءًا من طبعه، حتى تصبح سجيّة له كما هي حاجته للطعام والشراب والراحة.
ومن كمال الإيمان أن يتنفر المؤمن من المعصية كما يتنفر من رائحة الجيفة.
السلم بمعنى السلام: السلم أيضًا يأتي بمعنى السلام مقابل الحرب.
فإن كان قبل الحرب، فمعناه معالجة الخلاف بالعقل والحكمة.
وإن كان بعد الحرب، فهو دعوة لإزالة الأحقاد والكف عن سفك الدماء وإعمار الأرض بدل خرابها.
الدين الإسلامي جعل للدماء حرمة عظيمة، وجعل السلام مقصدًا من مقاصده الكبرى.
الدروس المستفادة من التاريخ الإسلامي
للأسف، كتب التاريخ الإسلامي امتلأت بصفحات دامية، حيث اعتُمد السيف وسفك الدماء وسيلة للسيطرة.
بعض المفكرين والمؤرخين اعتزوا بتلك الصفحات المظلمة مثل عهد الحجاج أو المنصور الدوانيقي، مع أنها تخالف روح الإسلام.
النموذج الأسمى لتطبيق الإسلام كان في سيرة الإمام علي عليه السلام، الذي طبّق الدين على نفسه قبل أن يطلبه من رعيته، وكان يقول: “إني لعالم بما يصلحكم ويقيم لي أودكم، ولكني لا أصلحكم بفساد نفسي.”
الإسلام والسلم في واقعنا
الإسلام دعوة شاملة للسلام مع النفس ومع الآخرين.
الدخول في السلم كافة يعني التزامًا شاملًا: عقيدةً وسلوكًا وأخلاقًا.
الأمة اليوم بحاجة إلى استلهام معاني السلم بدل تكرار صراعات الماضي.
خاتمة
إن قوله تعالى: ﴿ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾ هو نداء خالد لكل الأجيال، يدعونا إلى الإخلاص في الطاعة، ونبذ العنف، والتسامي عن الأحقاد. فالمسلم الحق هو من يطبق الإسلام على نفسه، ويجعل من السلام منهجًا لحياته وعلاقاته، ليكون بذلك شاهدًا حيًا على رسالة الرحمة التي جاء بها الإسلام.