قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: المنبر العميد
آخر برامج من: الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

ويعلم ما في الأرحام – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله

تأملات في الآية الكريمة من سورة لقمان (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ …)

 

العلم الإلهي والساعة المجهولة:

يخبرنا الله تعالى في كتابه العزيز أن علم الساعة مختص به وحده، فلا نبي مرسل ولا ملك مقرب يمكن أن يطلع على موعد يوم القيامة. والحكمة من ذلك أن يبقى الإنسان دائم الاستعداد للقاء ربه، فيعيش بين الخوف والرجاء، بعيدًا عن الغفلة والتسويف. فلو عرف الإنسان موعد موته لتهاون بالعبادة وأجّل التوبة، لكن الجهل بالساعة يجعله في يقظة دائمة.

 

معنى الغيث في القرآن الكريم:

جاءت لفظة “الغيث” في القرآن الكريم لتدل على المطر النافع، أصلها من “الإغاثة”، لأن به تحيا الأرض ويُرزق الناس والأنعام. لكن ليس كل مطر يُعد غيثًا، فالمطر قد يكون رحمة، وقد يتحول إلى عذاب كما حصل مع بعض الأقوام السابقة. فالله وحده ينزل الغيث بالقدر الذي يشاء، رحمة أو نقمة.

 

(ويعلم ما في الأرحام) بين العلم الإلهي والعلم البشري:

قد يتوهم البعض أن التقدم العلمي الحديث جعل الإنسان يعرف ما في الأرحام، كجنس الجنين عبر الأجهزة الطبية. لكن الآية الكريمة أعمق من ذلك بكثير، فهي تشير إلى علم الله المطلق:

يعلم سبحانه جنس الجنين قبل أن يُخلق.

يعلم خلقته الظاهرة وطباعه النفسية.

يعلم رزقه وأجله، وهل سيكون شقيًا أم سعيدًا.

وهذا العلم الغيبي المطلق لا يمكن لأي بشر مهما بلغ علمه أن يدركه.

 

الرزق والمصير المجهول:

كما أخفى الله ما في الأرحام، أخفى أيضًا مستقبل الإنسان ورزقه وقدره. فالعبد لا يدري ماذا يكسب غدًا، ولا يعلم في أي أرض يموت. وهنا يظل الإنسان في حنين خفي إلى أرضه التي خُلق منها، وكأنها تنتظره لتحتضنه في آخر المطاف.

 

الروايات الشريفة في بيان سرّ الأرض والإنسان:

جاء عن النبي صلى الله عليه وآله: “من خُلق من تربة دُفن فيها”.

كما روى الإمام الصادق عليه السلام: “إن النطفة إذا وقعت في الرحم بعث الله ملكًا فأخذ من التربة التي يُدفن فيها فماثها في النطفة، فلا يزال قلبه يحن إليها حتى يدفن فيها”.

وهذا يفسر ذلك الشوق الغامض الذي يحمله الإنسان لأرضه ومسقط رأسه، لأنه في النهاية عائد إليها.

 

الخلاصة:

الآية الكريمة ترسم ملامح الغيب الذي استأثر الله به، فتُبقي الإنسان في حالة ترقب دائم ووعي مستمر. فلا أحد يعرف ميعاد قيامته الخاصة (الموت) ولا ميعاد القيامة الكبرى. ولا يملك الإنسان إلا أن يعيش متزودًا بالإيمان والعمل الصالح، متيقنًا أن ربه عليم خبير بما كان وما سيكون.

مواضيع مشابهة

المنبر العميد -127- علم الله وعلم الإنسان